التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب ____ قراءة نقدية " مسامرات الأموات و استفتاء ميت " لوقيانوس السميساطي ___ بقلم الناقد رائد محمد الحواري

الأدب والمعرفة في
"مسامرات الأموات واستفتاء ميت"
لوقيانوس السميساطي
ترجمة إلياس سعد غالي
الأدب يحمل أكثر من رسالة، فرغم أن الأدبية في النص ضرورية ويجب أن تكون ملازمة له، إلا أنه يحمل لنا ما كان عليه أحوال الآخرين، وكيف عاشوا، وما هي المشاكل التي عاناها الأفراد والمجتمع، وهذا ما يميز الأدب، تقديم معلومة/فكرة عن حالة/زمن/مكان/شخصيات معية من خلال النص الأدبي، وبما أن الأدب يحدث المتعة للمتلقي، فهذا يعطيه ميزة تضاف إليه، تقديم المعلومة/الفكرة بطريقة غير مباشرة.
في هذا الكتاب يطلعنا "لوقيانوس" على أحوال المجتمع في سميساط واللغة التي سادت في بداية التاريخ الميلادي 125، حيث اللغة السريالية لغة المخاطبة في ذلك المكان والزمان، وهذه اشارة إلى قوية اللغة المحلية (الآرامية) وعلى أنها لغة حية، كما أن هناك حوارات تبين أن الكلدان كانوا يمارسون الكهانة: "كأبناء الكلدانيين الذي يتكهون عن المستقبل بواسطة النجوم أو تفسير الأحلام" ص45، وإذا أخذنا موقف المتسامرون من "أرسطو" فإن هذا يجعلنا نعيد النظر فيما قدمه من فلسفة.
فهناك أن من مسامرة ذكرت أرسطو وفكره ونهجه بصورة سلبية، منها حوار الاسكندر مع ديوجين: "الاسكندر ـ الحكيم! .. إنه الأمهر الملاقين طرا، أنا الوحيد الذي أعرف أسطو وأعرف طلباته العديدة مني ومضمون رسالته لي، لقد استثمر حبي للعلم فتملقني وامتدح تارة جمالي كأنه جزء من الخير وطورا أعمالي وثروتي فعدها أيضا جمالة الخير لكيلا يخجل هو نفسه من أخذ حصته منها، ما كان هذا الرجل يا ديوجين إلا دجالا غرارا، لم استفد من فلسفته سوى الحزن على هذه الأشياء التي ذكرتها" ص75، وهذا ما يدفعننا في هذا الزمن إلى أعادة النظر فيما قدمه أرسطو من أفكار، فهل هو فعلا يعد أحد أعمدة الفلسفة اليونانية أم أنه مجرد متكلم ليس أكثر؟.
وفي مسامرة بين "مينيب وأياكس وبعض الفلاسفة" يقرن سقراط بأنه لم يقدم شيئا للفلسفة: " سقراط ـ ماذا يقال عني؟
ـ مينيب ـ أن يا سقراط لرجل سعيد في هذا الخصوص، الناس كلهم يعتقدون أنك كنت رجلا عجيبا وأنك كنت تعرف كل شيء، وأنا أضن، والحق يجب أن يقال، أنك ما عرفت شيئا.
سقراط ـ هذا ما كنت أنا نفسي أقوله لهم، أما هم فقد حسبوا ذلك هزلا" ص85و86، هذه المسامرة تمثل دعوة أخرى إلى أعادة النظر فيما قدمه سقراط من فكر، وهل فعلا كان منبع للفلسفة والفكر أم أنه مجرد شخص أخذ أكبر من حجمه؟.
وفيما يخص العلاقات التجارية وكيف يفكر التجار، يخبرنا في مسامرة بين "هرميس وخارون" عن قبح التجار وثرائهم على حساب أرواح الناس: "هرميس ـ ... ولكن متى تظن أنك ستدفع لي؟
ـ خارون ـ لا استطيع الآن أن أدفع إليك شيئا يا هرميس، ولكن إذا بعث الي الطاعون عددا من الناس اتمكن عندئذ من الدفع لأن دخلي يزداد بسبب كثرتهم وتلاعبي بأجور النقل.
هرميس ـ ليس لي إذن إلا أن انتظر واتمنى حلول أكبر المصائب لأستوفي الدين!؟" ص36 و37، هذا العقلية سادت في الماضي وما زالت سائدة حنى الآن، فالكاتب يؤكد أن هناك أشخاص/فئات لا يمكنها أن تفكر أو تتصرف بصورة سوية في المجتمع، وتسعى وتتمنى الخراب لتموا ثروتها، وكأنها الدود الذي يتغذى ويعيش على الجيف، هؤلاء هم التجار، منذ القدم وحتى كتابة هذا المقال.
وعن الطمع والرغبة في الثراء السريع، يقدم لنا هذه المسامرة بين "زينوفانت وكاليذيميذ":
" زينوفانت ـ كيف مت أنا يا كاليذيميذ؟
كاليذيميذ ـ هل تعرف بتيوذور العجوز؟
زيوفانت ـ ذاك الثري العاقر الذي كنت أراك اكثر الأوقات بصحبته؟
كاليذيميذ ـ هو نفسه، لقد اعتنيت به كثيرا بعد أن وعدني بثروته بعد موته، ولكن لما طال انتظاري وقد عمر أكثر من تيثون، وجدت طريقا أقرب للوصول إلى ثروته، فابتعت سما وتواطأت مع الساقي على أن يدس له السم في كوب مهيأ ويقدمه إليه حالما يطلب منه أن يشرب ـ وكان يشرب الخمرة غير ممزوجة ـ وأقسمت للساقي بأني سأعتقه إذا فعل.
زينوفانت ـ وماذا جرى بعد ذلك؟
كاليذيميذ ـ لما رجعنا من الحمام كان العبد الصغير يحمل كأسين الواحدة لبتيوذور وفيها السم والثانية لي، فلا أدري كيف أخطأ فأعطاني الكأس المسمومة وأعطى بتيوذور الثانية الخالية من السم، فشرب بكل طمأنينة وشربت أنا فسقطت حالا ميتا بدلا منه" ص42، هذه المسامرة وغيرها تبين أن مشاكل الناس على مر العصور واحدة، فالطمع، والخداع، والغش، والتآمر كلها مورست منذ القدم وما زالت حتى الآن، وبما أن الكاتب جعلت نهاية الخداع ترجع على فاعلها، فإن هذه دعوة ـ غير مباشرة ـ للمتلقين ليكون صادقين/أوفياء/أمناء لأصدقائهم.
الكاتب يحاول أن يعطي نصائح للأغنياء على ضرورة التمتع بالحياة وعدم انكبابهم على جمع الثروة، في المسامرة بين "ديوجين زبوليذيفكيس" نجد هذه النصيحة: "ديوجين ـ ..بلغ أيضا الأغنياء عني وقل لهم: أيها المجانين، لماذا تدخرون الذهب؟ ولماذا تعذبون أنفسكم بحسب ريع أموالكم وتكديسكم كنزا فوق كنز انتم الذي ستأتون إلى الهاوية بعد زمن قصير وليس معكم سوى أبول واحد؟" ص89، فالقيمة الأدبية لهذه المسامرات تتوازي مع القيمة الاخلاقية، فما قدمه "لوقيانوس" فيها يعد دعوة لاستخدام العقل/المنطق في كل شيء وفي كل مناحي الحياة، فهناك دعوة بعدم التسليم بما هو سائد، وعدم الأخذ بالتقليد أو الاعتماد عليه كمسلم صحيح/سليم.
وبما أن المسامرات جاءت قصيرة بحيث لا تتجاوز الأربع صفحات فإن هذا سهل تناولها وجعلها خفيفة الظل على القارئ، فكان أقرب إلى الفاكهة الأدبية منها إلى النصوص العسيرة الهضم.
الكتاب من منشورات اللجنة الدولية لترجمة الروائع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1967.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...