التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب /دراسة في نصوص الشاعرة سمية الاسماعيل/الناقد عوني سيف


الناقد عوني سيف

سمية الاسماعيل ،
الشاعرة الفراشة بين زهورها.
دراسة في نصوص الشاعرة السورية سمية الاسماعيل.
الناقد الأدبي/ عوني سيف ، القاهرة.
        ظل النقد العربي لا يهتم بعنوان النص لفترة طويلة ، حتى جاء النقد الحديث واعطى اهتماماً وافراً إلى عناوين النصوص الشعرية أو حتى عنوان الديوان نفسه. عنوان النص له مقاصده الدلالية في تحليل و خصوصية النص. و سوف اتنقل مع هذه الفراشة بين زهورها و بعض مقاصدها الدلالية و تأثيرها النفسي و الوجدانى على القارئ.
         عناوين النصوص عند سمية الاسماعيل بعضها خبرية سردية ، تفصح لك مشاعر فياضة أو قصة من خلال الصور و الحس و التجربة الشعرية. تراها مرة تعنون النص ،، صباح الخير ،، وكأنها صديقة القارئ المقربة. و مرات أخري تجد عناوين النصوص تهمس فى أذنيك بجميل المشاعر و الصور المستدعاة من ذاكرتها الشعرية أو الحياتية.
مثل ،، بعض الأنات ترهقنا،، يوم كنت احبك،، ثرثرة،، دثريني.
و بعض العناوين عندها تأتى فى صيغة استفهام ، مثل ، من قال؟
، أتغريني؟، أتراه عشق ؟ ، هل ؟ ، أأخبرك؟، أشوق ألم ؟.هذه العناوين الاستفهامية ذات دلالات صادمة لدى المتلقى ، تجعله مجبر على اعمال العقل و الوجدان للبحث عن الإجابة بين الابيات و الصور.
       بعد أن تطرقنا إلى عناوين النصوص ، و كأنها زهور تحلق بينهم هذه الفراشة ، حان الوقت أن نتعامل مع النصوص عن قرب ، نتلّمس نعومة بعض أوراقها الجميلة ،و نخمن شكل البتلات التي لم تتفتح بعد. و سوف أقدم للقارئ العربي تأثير البحر على الشاعرة السورية سمية الاسماعيل ، وهى بنت أصيلة من بنات الملكة زنوبيا ،، ملكة تدمر،، و ذات أصل حضارى كان يوماً ينافس حضارة الرومان القديمة.
     البحر و ما يتصل به من شواطئ و منارة و موج و سفن ،اخذ مكانة غير قليلة فى صور سمية الشعرية ، وله دلالات على تكوينها كشاعرة ولدت و ترعرعت فى منطقة الشام حيث الشعراء العظام و البحر الأبيض المتوسط.فهى تقول فى قصيدة ثرثرة :. وجهك .. مطفئ
             كمنارة 
             تعبت من هراء السفن
            و ثرثرة البحر 
            من طول السهر.
سمية الاسماعيل هنا تتكلم عن الحبيبة و هى متقمصة دور الحبيب ولا أظن هناك حبيبة تنافس سوريا فى هذا النص . وجهها كمنارة متعبةمن هراء السفن.، و تقول فى نفس النص :
 تضيعين كالسراب 
يهرب من عطاش 
مطاردين 
مكبلين
بخيمة
و مركب مهترئ 
و أمنية بلا هوية 
تذوب
تتلاشى 
مع اول ثورة للموج
على شطآن ، جائعة .......
أرى هنا أن الشاعرة سمية الاسماعيل عانت آلام نفسية جراء مشاعر سلبية من هجرة أبناء الوطن . و ألقت هذه الصور على الحبيبة فى النص .وهذا يدل على مشاعر و عقلية مدركة للمشاكل الوطنية وحس وطنى عالى المستوى لدى الشاعرة.
و فى نص ،، دثريني ،، تقول :
دثريني
فإنى فقدت
بوصلة الأمان
و كسر شراع سفينتى 
والبحر مائج 
و لا عاصم اليوم من غرق.
فى هذه التجربة الشعرية التى تحتاج دراسة مستقلة . تنفس الشاعرة مشاعرها و حسها الوجداني فى عدة صور تمثل الايام الخوالى التى كانت تعيشها الحبيبة.
    وعندما تزداد الصورة تعمقاً، تعمقت سمية من البحر إلى المحيط غير المحدود ، فى نص ،، أوان الحب ،، تقول :
هل أخبرتك أن المحيط يغوينى 
إن فاض عشقه 
عانق الجزر و الموانى والخلجان 
فأنا أرفض القيود 
الحدود
أرفض العيش محاطة بالشطآن
نورس انا 
يطوف الأفق هيماناً...
"نورس انا " تحتاج وقفة لبرهة ، فالشاعرة هنا تخلت عن صفة الانسنة و لجأت أن تكون طائر النورس لكى تتخلص من كل القيود والحدود، وهذه الصورة الرمزية فى النقد الحديث تسمى Anti-personification ، وهى اتخاذ صفات غير إنسانية للتحلق بالفكرة أو الصورة.
   لن اقدم أمثلة أخرى -وهى كثيرة - لاستخدام صور مرتبطة بالبحر عند سمية الاسماعيل ، بل انتقل لصور الحب و العشق عند الشاعرة وهى أخذت كثير من صورها الخمر و النبيذ و الكأس رمزاً للحب ، و أفعال مرتبطة بالخمر مثل يشرب، يرتشف ، يترنح.وهى هنا تعود بالذاكرة الشعرية للشعر العربى القديم و مفردات نزار قباني و فاروق جويده فى الشعر المعاصر. فأنا أري سمية مع هذا الثنائي العظيم ، ضلعاً ثالثاً لمثلث ربما يتساوى أضلاعه يوماً ، فى التجربة الشعرية و الصور و اختيار المفردات.
و سوف أخذ جولة سريعة لكى أرصد الخمر اى العشق و أبحث عن الكؤوس و ما بداخلها من نبيذ و مشاعر فياضة و صور فى نصوص الشاعرة.
فى نص "رسالة إليك فى عالمك الموازى" تقول :
هنا نعتق الخمر بالحب 
نقارع الكأس بالكأس و المواويل رسائل
اه لقد أتى الصباح....
هنا سمية الاسماعيل مزجت كما قلت سابقاً بين العشق و الخمر و جعلتهم في صورة واحدة.وهذا تناص غير محدد من الشعر العربى القديم.
و فى نص " على حافة الرحيل" تقول :
تعال لنحيي
طقوس المساءات
كؤوساً
من رحيق الصبا.
و فى نص "أوان الحب" تقول :
تتناول أسمى نبيذ شوق
حتى تذوب.
هنا تجلت صورة العشق أعلى مراتبها عندما شبهت اسمها بنبيذ شوق، يجعل الحبيب يذوب.
وهى صورة شعرية جميلة سوف اختم بها مقالى وليست قراءة الشاعرة السورية الراقية سمية الاسماعيل وسوف يكون للمقال بقية فيما بعد.
تحياتي الناقد / عوني سيف/ القاهرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...