التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب /قراءة نقدية _اِستسلامُ شاعرٍ.. أم تَسليمُ مُحِبٍّ! " /رؤية الأديب صاحب ساجت


الأديب صاحب ساجت 

قراءةٌ سريعةٌ بعنوان...

" اِستسلامُ شاعرٍ.. أم تَسليمُ مُحِبٍّ! "
تقديم:-
      مُفردتَا الاستسلامِ وَ التَّسليمِ لَيستا مترادفتينِ، إنَّما ثَمَّ فارقٌ كبيرٌ بينهما لهُ أبعادهُ وَ تأثيراتهُ.
      فالاستسلامُ.. قرارٌ تتخذهُ سلطةُ صنَّاعِ القرارِ في أمورِ الحياةِ جميعًا،
بعدَ انتكاساتٍ تحصلُ، و أخطارٍ مُحدقَةٍ، ينبغي مواجهتها بحزمٍ، علـىٰ وفقِ حساباتٍ مدروسةٍ بدقَّة.
(دونَ الخوضِ في تفصيل ذلك!)
      أمَّا التَسليمُ.. وَ هو ما يهمُنا هنا، 
يُمثِّلَ حالةَ قبولٍ وَ رضُوخٍ مطلقٍ،
تلقائيٍّ دون مقاومةٍ، مقابلَ أحلامِ يقظةٍ، وَ آفاقٍ بعيدةٍ، وَ لرُبما كَمٌّ هائلٌ منَ التَّخيُلاتِ الواهيةِ.
وَ قطعًا لا ينبغي فيه القناعة، بلْ أنهُ يرتبطُ بالإيمانِ الأعمىٰ. فهو حالةٌ 
راقيةٌ منَ التفاعلِ مع أحداثِ الحياةِ 
منْ فشلٍ و نجاحٍ و خيباتٍ!
أصلُ الموضوعِ:-
      في أدناه نصٌّ بعنوان:-
 " خَضِّلْ يَباسكَ" للشاعر "غازي 
عبد العزيز عبد الرحمن" /سورية
          " خضِّل يَبَاسَكَ "
أترِع بأحزان النوى أقْداحِي
وَدَعِ المتاعِبَ واستظلَّ مَرَاحِي
هاتِ السوادَ إلى بَياضِ دَفَاتِري
وصلًا وخذ ماشئتَ من أفراحِي
خُذْ نَبْعَ قَافيتي وبوحَ قَصَائِدِي
وجدائلَ الوردِ التي في سَاحِي
يا لائِذًا بالصمتِ أرهقَكَ الظَما
خضِّل يَبَاسَكَ من مَعينِ قَراحي
اجْسُرْ على قلبي وفكَّ نياطَه
وخذِ الدنانَ بشهدِهَا والرَّاحِ

أولًا: شاعريةُ النصِّ
       إذا اكتملتْ فكرةٌ مبدعةٌ باتقانٍ في الوزنِ و القافيةِ و سياقِ المفردة فهي:- قصيدةٌ!
لكن هناك آراءٌ حددتْ عدد أبياتِ القصيدة بــ ( سبعةِ أبياتٍ أو عشرة)
و العربُ قديمًا مغرمون بالرقم "سبعة"، فأشواطُ الطوافِ بالكعبة هي سبعةٌ، و السماواتُ سبعة، و أيامُ الأسبوع أيضاً.
النصُّ الذي بين أيدينا خمسةُ أبياتٍ شعريةٍ، موزونةٍ و مقفَّاةٍ، تتصلُ مع بعضها كوحدةٍ واحدة. مترابطةُ الأفكارِ، و الغرضِ، و الشعورِ.. بموسيقىٰ داخلية.
فضلًا عن أنها تحملُ خطابًا مباشرًا بموضوعٍ فني توافرت فيه العاطفةُ 
و الخيالُ، اِنسابتْ مفرداتُها دون تكلُّفٍ 
أو معاناة، بشفافيةٍ يتلمَّسُها المتلَّقي بلا ادنىٰ شكٍّ، كونها فيضًا وجدانيًا تحكيهُ النفسُ، تَمكَّنَ فيها الشاعرُ لغةً و صورةً و إيقاعًا و معنًىٰ بانسجام يكادُ يكونُ تامًّا.
و لو أردنا أن ننسبَ هذا النصَّ إلـىٰ غرضٍ شعري بعينه.. نجدُ أنهُ منْ أقربِ القَصيدِ للقلبِ و لطبيعةِ الانسان هو:- شعرٌ وجدانيٌّ، ذاتيٌّ، مُغرقٌ بالعاطفة،
 و تميزَ بارتباطهِ بموسيقىٰ و تعبيرٍ عن مشاعر ٍ نقيةٍ، تناولَ مواضيعَ الحُبِّ 
و الشوقِ و الحنين للمحبوبِ.
(اجْسُرْ على قلبي وفكَّ نياطَه
وخذِ الدنانَ بشهدِهَا والرَّاحِ)
  ... من النص.
ثانيًا:- لُغةُ النصِّ..
    الأمرُ غالبًا ما يكونُ ثقيلًا على النفسِ، فيه استعلاءٌ، و مزعجًا لها.
له ضرورةٌ في الاستعمالِ، و في حالاتٍ محددة.
بينما الطلبُ أقلُّ لهجةٍ منَ الأمرِ، تقبلهُ الناسُ برحابةِ صدرٍ، و أكثر فاعلية.
و الطلبُ قريبٌ من " الإلتماس "، إذا كان الأمرُ المجازي فيه.. بينَ آمرٍ و مأمور بمرتبةٍ واحدة.
(قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ)
من معلقة امريء القيس.
و كذلك.. مع النهي المجازي.
(لا تُخْفِ مَا صَنَعَتْ بِكَ الأَشْـوَاقُ
وَاشْـرَحْ هَـوَاكَ فَكُـلُّنَـــا عُشَّـاقُ)
من قصيدة لــ"الشاب الظريف".
ثالثًا:- اسلوبُ النّصِّ..
        موقفُ "الإلتماس" الذي طغىٰ على أفعالِ النصِّ ( خضّل- مرتين، أترعْ (و الافضل لو تستبدل بفعل آخر مثل 'عَبِّئْ أو أَفْعِمْ'، دعْ، استظلْ، هاتِ، خُذْ -ثلاث مرات، أجسرْ، فكَّ) جعلَ الشاعرَ في موقفٍ سلبيٍّ، بحيث لم تصدرْ منه مبادرةً، أو حركةً باتجاه فعلٍ معين، إنَّما اِكتفىٰ بالتَّوسلِ و الالتماسِ للمخاطب!
فأرىٰ ذلك سَلبًا لإرادةٍ و ضبابيةً في التفكرِ، لم ينتجْ منه فكرةً واحدةً.. ألبتَّةَ!
فهلْ هذه " السلبيةُ" ثمرةُ ذوبان جاذبيةِ (charisma) الشاعرِ و حضورهِ.. مع مشاعره؟
فالمتلقي يطمحُ أن يرىٰ تفاعلًا بين شخصياتِ المشهدِ، و أفعالها، و مدىٰ تأثيرها على بعضٍ!

     أخـــــــيرًا...
ليسمحَ لي الشاعرُ و المتلَّقي علـىٰ حدٍّ سواء، أنْ أزعمَ بأني لستُ بصددِ النَّقد 
و التقويمِ، و لا الدراسة، لنصٍّ أدبي حَصلتُ عليه قبلَ مدَّةٍ وجيزةٍ! 
بَيْدَ أنِّي سجلتُ هذه الملاحظاتِ المتواضعةَ، عَلَـىٰ عُجَالَةٍ- عن نصٍّ لَفَتَ نظري منذُ الوهلةِ الأولىٰ لقراءتهِ، 
و غاصَ في أعماقِ وجداني، وحملني أنْ أنبري بقلمي و أبادرَ بهذه ( النُّتَفِ ) علـىٰ قلَّتها و بساطتها، كي أسجِّلَ إعجابي و تقديري بالشاعرِ، و بما أتحفنا بهِ منْ مشاعرٍ فيّاضةٍ، أطَّرَها بلُغةٍ رقراقةٍ، سلسةٍ، تَنُمُّ عن إمكاناتٍ رفيعةٍ لكاتبٍ يمتلكُ أدواتهِ في صياغةِ التِبْر، بأبهىٰ الصور، بعدَ تخليصهِ منَ الشوائبِ.. وَ الكَدَر!
مودَّتي و احترامي لكاتبِ النصِّ الاستاذ غازي عبد العزيز عبد الرحمن/سورية...
          مع أطيب التحيات
       (صاحب ساجت/العراق)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...