الأديب محمد الدولتلي
قصة قصيرة
أهازيج النصر
إمتلأت ساحة القرية عن بكرة ابيها بسكانها الذين تجمعوا من كل صوب لحضور الحدث العظيم، إنه موعد النزال الحاسم بين الحق والباطل، ذلك الذي انتظروه بفارغ الصبر والثقة تملأ أعينهم المترقبة بانقطاع دابر الباطل للأبد في هذا اليوم المشهود.
تعالي صوت الضجيج وهم يتحاكون عن النزال الأخير عندما أنزل الحق بالباطل هزيمة مذلة جعلته يخضع لشروطه ومواثيقه خضوعا تاما بدون شرط في مقابل ألا يدفن في الأرض التي شهدت آثامه لزمن قبل أن ينزل الحق بالقرية مقسمين ما بين مؤيد لحكمته ومعارض لرحمته.
صمتت الأصوات فجأة وتباعدت الخطوات صانعة طريقا يمر منه الحق بجسده الفتى الذي يسد قرص الشمس وظله الذي سربل رؤس السكان.
تقدم الحق بخطوات تهتز لها قلوب الصناديد زارعة المهابة بين ضلوعهم التي تسارعت إرتفاعا و إنخفاضا حتى يتدفق الهواء الي صدورهم التي أعياها هول الموقف.
توقف في قلب الساحة أمام الباطل الذي كان يقف في ذلك الجزء المظلم الذي لا تطاله أشعة الشمس حيث يستمد قوته من تلك البقعة.
تناول الحق عصاه القديمة قدم آدم في الأرض المزينة بكاملها بعلامات يصعب عدها تحصى الإنتصارات السابقة طوال عمرها.
ارتعشت أصابع الحق المسكة بالعصي، لقد ثقل وزنها في يده حتى تعكز عليها بدلا من أن يرفعها عالية لتطال السماء، بل ثقل وزنه على قدميه التي خارت مسقطة إياه على ركبتيه.
لقد كان ذلك من أثر ما جري في عروقه من طعام الباطل الذي استساغه وشرابه الذي تجرعه من بعد النزال الأخير.
سقط الحق منبطحا على الأرض وقد دهست أقدام السكان وجهه وهم يتسابقون لتقبيل يد الباطل التي تملكت رقابهم بعد أن كانت آثمة منذ لحظات قليلة وسط تهليل رجالهم وزغاريد نسائهم ملبسين إياه عباءة الحكمة بعد أن انتزعوها من جثة الحق الملقاة على أرض القرية.
وتحت أقدام الباطل جلس التاريخ بجسده العجوز ممزقا صفحات كتابه السابقة، متناولا ريشته ليخط ويوثق أحداث الإنتصار العظيم.
الكاتب / محمد الدولتلي
تعليقات
إرسال تعليق