قراءة تأويلية في نص الشاعرة نجوى الدّالي " امسك من الريح جرعة "
∆امسك من الرّيح جرعة∆
لملمْ شتات أحزانك
وارْم بها خلف جنانك
ازرعْ بساط قلبك سوسنا
واطلقْ ذراعيك للأطيار فننا
امسكْ من الريح جرْعة
تذري بها من خدّك دمْعة
واقطعْ مع اليأس عهدا
وكنْ لذاتك أعتى سندا
فكلّ الظلال آفلة
وكلّ الوعود قاتلة
استمسك فقط بعروة نفسك
وامتثل جيّدا لعقلك وحسّك
نجوى الدالي
/ امسك من الريح جرعة /
عنونة حادية للدهشة فنحن أمام صورة مركبة ماثلة بدقة متناهية تتوافق مع الحلولية التصويرية ،
عبر تحوير ظاهرة جوية / الريح / إلى مركب سائل / جرعة / وفي تنامي تصويري تتحول الكَفّ التي تم أمرها بالامساك إلى جزء آخر من مؤنسن " فم " فجرعة الماء مثلا لا يتم الاستحواذ عليها سوى عند معاقرة الشراب ،
لنتوقف أمام مشهد تصويري جديد لتتحول الريح إلى ما يشبه النهد التي تتلمظ أمامه الأفواه الجائعة ،
في إسقاط من عموم شمولية العنونة على الأماني المجهضة وتلك التي مازالت في ظهر الغيب ونحاول لكزها بطلق المخاض رغم تلك العوائد المشحونة التي تحيطها ،
ولكن مفردة الريح لا تعني الأمل بقدر ما تعني الشجن والدمار عكس مفردة رياح التي تعني العذوبة والتفاؤل ،
من تلك الفرضية المعجمية يأخذني الأمر للعودة إلى فعل الأمر في بداية التعبير / امسك / فنحن أمام محاولة لتكبيل ومنع من الفرار فهو قبض بحذم كمن ( امسك لصا ) ذاك هو المعنى المعجمي ،
وهل هناك من يمكن أن نتهمة بالسرقة اكثر من سالب الأماني ،
ليصبح تأويل تلك الجرعة من الريح هو استخلاص الدواء من الداء في توافق مع معجمية حضور المفردة والتي تعني ما يشرب بمره من الدواء لمعالجة داء ،
وبقياس على أخذ الترياق من ذات السم وفي إسقاط من تناصية مستتر و " الريح السموم " نحن أمام فعل أمر يراد به استخلاص الترياق من السم ـ الشجن ـ حتى نمنح القادم من الحياة ( فاكسين ) الشفاء ،
يؤكد هذا وجود حرف جر / من / وهو يفيد التبعيض وبداية الحلولية الزمانية والمكانية والمشهد يحمل حلولية زمانية هي ما سبق الوشم من حلول الريح بالفعل ـ عوائد الحياة المشجنة ـ وإن لم تكن حدثت ما كان هناك داعي لحضور فعل الأمر ،
ومن مكانية لكونها تضع الحدث في محيط دفاتر حضور واقع بطل وبطلة الحبر فما هو يقين الحدوث يستلزم إطار زمكاني تام الوجود ،
القطف بديع كعنونة لا يمكن أن تؤخذ على ظاهر حلوله وبها تنامي تصويري شاهق العروج ما بين تحوير ظاهرة جوية إلى سائل ثم تحوير جزء مؤنسن / راحة كف / إلى / فم / مطلوب منه أن يحتوي الترياق / جرعة / وتلك الصور الأخيرة متوارية خلف مرايا الحبر لا يمكن الإمساك بها قبل أن يتم تفكيك المشهد التصويري للعنونة ،
وبهذا نستطيع الولوج ليم الحبر الذي اضعه تحت راية الأدب الذهني وحوار خاص ما بين الذات في سويداء النفس ،
لنلج النص من العتبة ..
النص في حلولية حوارية منذ العنونة وحتى فراسخ الختام الأخيرة تعتمد فعل الأمر المنسوب للضمير / أنتَ / بنكهة النصح الحالم والحاذم في ذات اللحظة مع وضع المعني بالخطاب في ماهية المجهول مما ينزع بالحوار نحو الشمولية ليخرج من عباءة التخصيص التي خرق قانون حضورها هذا التجهيل وعدم معرفة المعني بالخطاب ،
النص يحمل تورية بديعة ما بين الجَنان بمعنى القلب والجِنان والتي تعني التستر في توافق تام وتكامل مع المشهد التصويري في / ازرع بساط قلبكَ سوسنا / والتي تم فيها تحوير جزء من المؤنسن / قلب / إلى مجسد مكاني يتم زراعته ـ حديقة ـ عبر حلولية مفردة / سوسنا / مع فعل أمر يعود على المخاطب / ازرع / في تنقل بديع بين المجسدات يسقط على محاولة تغيير الحالة الشعورية التي تحيط دفاتر حضوره الحياتي ،
/ لمْلِمْ شتات أحزانك /
بداية تصويرية قوية وجملة تحمل الأمر في حضور حاذم قوي المثول التصويري عبر تحويل المعنوي صاحب الأثر / احزان / إلى مجسد تام يتم جمعه / لملِمْ / في مشهد قد يبدو غير دقيق للوهلة الأولى فإن تم تشتيت الاحزان فهي في سبيلها إلى التلاشي ،
ولكنها هنا في شمولية المعنى تعبر عن حالة من التشظي التام حد انتشار الشجن في جوانب الحياة كالسرطان الذي ينتشر في عموم الجسد ،
في رمزية لا تعني سوى الكثرة ،
وفي لقطة شاهقة التصوير لا لشيء سوى أنها تستكمل المشهد السابق بدقة في تركيب تصويري فالجمع / لمْلِمْ / يعني احتواء الشيء وإن كان غير مرغوب فيه يتم إلقاء ما تم جمعه كشيء مهمل ،
/ وارْم بها خلف جنانك /
في تحوير بديع ما بين الجزئي المؤنسن ـ قلب ـ وبين المجسد الجمادي ـ حائط ـ في إسقاط على نفي تلك العوائد المشجنة من محيطه الحياتي ،
وفي توافق تام تتيحه معجمية التورية للمفردة / جنانكَ / ـ ننتقل للمشهد الثالث ـ والتي أتت بدون تشكيل لتحمل في البداية معنى القلب ـ جَنان ـ ثم يتم تحويرها عبر تعبير / ازرع بساط قلبك / لتتحول لجَنّة أو بستان أو حديقة ،
في توافق مع ما تم من تورية مع مفردة / جِنان / بكسر الجيم والتي تعني التستر ،
فالحديقة أو البستان ذات شجر والشجر تستره الأوراق ليكتمل البديع اللغوي ما بين المشهد التصويري المركب من بداية العتبة والتي تربطة تلك التورية التي أوجدها الدفق ،
ليتم ختام المشاهد المركبة للعتبة بذات حلولية العنونة ( امسك من الريح جرْعة )
وفي تأكيد لهذا الطرح الخاص بالعنونة نتوقف مع النتيجة المراد حدوثها وتعبير / تذري بها من خدك دمعة / في توافق وفعل الأمر الذي تعود عليه فالحدث مازال قيد ـ التمني ـ التنفيذ ،
في امساك وتبعيض لتلك الريح / جرعة / لتتحول لمحفز تتطاير به تلك الدمعة وكأننا نأخذ الترياق من الداء فالريح رمزية للعوائد المشجنة بحلولها المعجمي الذي يحمل في طياتها الدمار عكس رياح ،
من تلك الفرضية نحن أمام استقدام للدواء ـ ترياق ـ من ذات الداء ـ الشجن ـ في توافق مع ما يحدث من استخلاص الترياق من السم بجرعات صغيرة / جرعة / ـ حقيقة طبية مؤكدة ـ ليصبح الختام الخاص بالعتبة حد نتيجة تحمل نكهة العنونة وما تلاها من محاولات وأد تلك العوائد والخلاص منها في دفق تصويري سلس المثول اعتمد الدفق وتنحى من المشهد التأمل ،
ثم مجموعة من الأوامر المعطوفة بواو العطف على العتبة في تنقل بديع سريع ما بين المعنوي / يأس ..، الوعود .. ، الذات ..، نفسك ..، عقل وحس / إلى تجسيد مؤنسن اوجدته فعال لا يمكن أن يفعلها إلا البشر / عهدا ..، قاتلة ..، استمسك ..، امتثل ../ ،
مع إنزياح بديع يحمل تناصية مستترة و موروث اجتماعي يعني أن كل مصيبة تبدأ هائلة وتتقلص وتتقلص حد التلاشي / فكل الظلال آفلة / لتصبح رمزية الظلال
والتي تسقط على حالة مدكنة بالشجن هي حد إنزياح بديع ومفردة / آفلة / التي تعني حالة مو الضعف والتلاشي تتبع النمو العظيم لهذا العارض ،
وذاك ديدن الحياة ،
النص راق سلس درب بعمق من خلال حوارية دون فلسفة أو تكلف .
مودتي وضوع نيل دياري
هشام صيام ..
تعليقات
إرسال تعليق