التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب / الصعود هناك / الأديب حيدر غراس



الأديب حيدر غراس

الصعود هناك
........ 
لم أُدركْ من الكهوفِ إلا ماشاهدتُه في شاشات العرض التلفزيرني ومادُوِّنَ في كتاب التربيةِ الأسلاميةِ في الصفِّ السادس الابتدائي وبصوتِ الأستاذ عبد الواحد الذي رحمَه الله في الصعودِ هناك
وكلبُهُم باسطٌ ذراعيهِ بالوسيط، لم أكنْ تاسعَهم قطعاً 
لايُشغلُني ورقَهم لانشغالي بورقي الأصفر البعيدِ تماماً عن سعرِ صرفِ الأوراق الخضراءَ
ورجماً بالغيبِ لا تصدِّقوا أقوالَ مقدمي البرامجِ وكتّابِ الجملةِ العرضيةِ أصحاب المساحاتِ الزرقاء 
فالمذيعةُ التي أعلنتْ نبأَ استشهادي في معركةِ الكرامةِ لم تعِ أنّي فقدتُها منذ أولِ التقاطِ إشارةٍ لصحنِ ستيالات يفكُّ شفراتَه بأرصدةٍ مدفوعةٍ سلفاً
فقدتُها حيث أقفُ كعامودٍ معطوبٍ في شوارعٍ غُيّبت ألوانُها عند بوابات التجنيدِ
فقدتُها وأنا أُفكِّكُ أزرارَ البذلة الكاكي العسكرية قطعةً قطعةً انصياعاً لرغبةِ العريفِ المخبولِ بمعاقبةِ من هم أشدُّ وقعاً في تاريخِ المعارك وسوح العرضات 

لم يكن نبأٌ عاجلٌ الذي دُوِّن في أسفلِ الشاشةِ
تأخَّرَ بثُّ الخبرِ طيلةَ فترةٍ ليست بالقصيرةِ استغرقتْ إصلاحَ مكياجِ المذيعةِ التي ظهرت بملابسَ يتدلّى شقُّ نهديها كأحفورية في ارضِ الميناءِ 

جارتُنا التي قرأت الخبرَ اخفت دهشتَها صمتاً راحت تُكمِل مافي يديها وهي تعالجُ دمعةً طفرتْ من عينيها اختلطتْ بماءِ الثلاّجة التي كانت ترصُف الحاجاتَ فيها كتوابيتَ الشهداءِ 

لا تاريخاً يُذكرُ لي، تكذِّبُ المذيعةُ ذات الشقِّ الأحفوري وهي تلوكُ الخبرَ بشفتيها المتورمةِ بحقنِ البوتكس حين تشدَّقت بمقدمةٍ طويلةٍ عن تاريخ بطولاتي ولا أدري هل تعلمُ مقدارَ حبّي للحياةِ رغم أنها جعلتني منفضةً لسجائرِها الرخيصة وليتها تدرك حبي لاَأستماع جهرة وسراً للموسيقى والغناءِ وبالذات (يامدلولة) بصوت ابو خالد
وليتها تعلمُ ألاَّ معركةً لي حتى على صفحاتِ التواصلِ، وأن الشهادةَ الوحيدةَ التي حصلتُ عليها كانت تطعيماً ضدَّ مرضِ الكوفيد 

إسمحوا لي أن أتلاعبَ بالنصِّ قليلاً واكتبُ نبأَ موتي لا _استشهادي_ بطريقتي وبما أني أُجيدُ الكتابةَ وعلى ذمةِ اصحابِ الفيس الذين يُكثرون من روعاتهم بعد كل هُراءٍ أُدوِّنُه هناك، 
أتذكَّرُ مرةً كتبتُ نصاً( هكذا عدت من الموت) لكن هنا على ما يبدو لن أعودَ للحياةِ مرةً أخرى وعلى ذمةِ المذيعة التي أعادت الخبرَ مرتين متتاليتين 

لن اقولَ في نصِّ الخبر مات آخرُ الأبطال أو أعرُجُ إلى خبر موتي كأخبارِ موتِ الأشجارِ والأنهارِ في مدينتي الصاخبةِ بالبؤسِ والشقاءِ
ولا أدَّعي انّي كنتُ أقاتلُ بكفٍّ وأكتبُ بكفٍّ تيمناً بقولِ أحدِهم:الأقلامُ بنادقٌ في القتالِ 

اطفالي الذين مازالوا في ظهري قطعاً لم يقرأو الخبرَ وإلاَّ لخرجوا يتصارخون يشقون جيبوهم لا لفقدانِهم لي إنما بموتي جنبتُهم الكثيرَ من الحياةِ والقليلَ من ثغاء الساسةِ ورجالِ المنابرَ
اكاذيبَ وجباتِ العشاءِ قربَ موائدَ الأنبياءِ 

احمدُ الله ان الناجي الوحيدَ من كل ذلك هو أبي الذي سبقني بأعوامٍ رافقَ طلقةً استقرت في صدرِه ولا أدري هل الملائكةُ هناك أفلحوا في استخراجِها بعدما فشلتْ حلولُ ملائكةِ الأرضِ بملابسهم البيضاء؟ 

المرأةُ التي لم تصدق الأخبارَ كعادتها كانت تذبحُ دجاجةً قرباناً للأولياءِ الصالحين دفعاً للشرور والبلاء
هذه المرة نذرت أن تذبحَ بقرتَها الوحيدةَ
إن كان الخبرُ كاذباً وهي تردِّدُ مع صوتِ عبد الباسط(أنهم فتيةٌ آمنوا بربهم)
... 
حيدر غراس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...