الأنا في
" فاض البيان من صبري..."
ميسر عليوة
في حالة الضغط، يلجأ الكاتب/ة إلى مخففات تساعده/ا على تجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها، هذا المخففات تتمثل في، الرجل/المرأة، الكتابة/الفن، الطبيعة، التمرد/الثورة، وعندما يأتي النص/القصيدة بصيغة أنا المتكلم فهذا يشير إلى أن هناك حالة خاصة أوجبت استخدام أنا المتكلم، وعلى أن الكاتب/ة يتحدث عن حالة خاصة به/ا، لا تقبل/تستوعب أن يكون فيها (دخلاء)، يتحدثون بصيغة خارجية، فالأنا نجدها في: "صبري، عني، يشبهني".
وإذا ما توقفنا عند هذه الأنا نجدها (ضعيفة)/ مرتين "صبري، عني" في أول ثلاثة مقاطع، ومرة "يشبهني" في الثلث الأخير من النص، وهذا يعود إلى أن الكتابة، أنثى، تعيش في مجتمع له قوانينه تحد من انطلاقتها، والبوح بما في نفسها، من هنا، بعد أن وجدت أنها تتحدث عن نفسها في مجتمع (محافظ)، ارتأت أن تجد نخرج لهذه (الزنقة) من خلال إيجاد من ينوب عنها في التعبير عما تشعر/تحسر به، فكانت هنا (ارتباك) واضح في (لغة السرد):
" ومن أخبره عني..؟!!!!!!
أن صمته قيامة الريحِ
في جسد السكون......
عويلَ أرملةٍ........ "
فتداخل المُتحدث عنه والمتحدث، فنجد في: "ومن أخبره عني"، صيغة أنا، وفي: "أن صمته قيامة" السرد الخارجي/ متعلق بهو، وفي: "في جسد السكون" سرد خارجي متعلق بمجهول، غير محدد، وفي: "عويل أرملة" سرد خارجي متعلق بالأرملة، فنلاحظ أن هناك (تشتيت) في المحدث/المتكلم ومن يتكلم عنه، لكن بما أن الكاتبة/أنثى فقد وجدت (ضالتها) في الأرملة لتسقط عليها مشاعرها وما تشعر به، فكان هناك (استفاضة في الحديث عنها، والذي نجده في:
" عويلَ أرملةٍ........
أشعل البردُ مرقدها
ثم أرهق ذاكرتها.......
توسل الليل الذي....
اندلق كتفسير
فمعطفها"
فهنا كان الحديث واضح وأوصل الفكرة عن الألم والمعاناة الواقعة على الأرملة/الكاتبة، ونلاحظ أنه هناك (تغريب) في المشهد: "أشعل البردُ مرقدها" فالجمع بين أشع والبرد جاء بصورة معكوسة/مقلوبة، وهذا الإبداع ما كان ليحصل دون أن تكون هناك حالة توحد بين الكاتبة والنص، وشخصية الأرملة التي تقمصتها،
بعد هذا التألق في كتابة النص، تشعر الكتابة أنها أخذت قسطا من الراحة بعد فعل (الكتابة) لهذا تتقدم خطوة إلى أخرى إلى الأمام، فتتحدث عن (رمزية) البئر والدلو والعطش:
"رواية مختلفة
عن سيارة البئر
وقد جاءوا......
فالذئب فيها ظنون
و الدلو معلقٌ
على مشنقة العطش" رغم أن الحديث بحيث عن الأنا، ومتعلق بالمجهول، إلا أن صيغة المقطع تشير إلى أن هناك حاجة/رغبة عند الكاتبة، لا تقدر على البوح بها مباشرة، فاستخدمت هذه الشكل/الصيغة لتعبر عما فيها من حاجة/رغبة/مشاعر، فكانت موفقة بعد أن أوصلت مشاعرها (له).
بعدها تتقدم أكثر وتتجرأ وتطلب أن (نخبره نحن) وليس هي عما فيها:
"أخبروه........
لا شيء يشبهني
في صمته.......
لا ناي يبكي غصنه
و لا حزن طفلةٍ
اشترت بأبويها
أحلام ليال........
جيوبها مثقوبة"
الكاتبة تميز نفسها في هذا لمقطع: "لا شيء يشبهني" فهي لا تكتفي بالمعنى فقط، بل من خلال ما تلا "لا شيء يشبهني"، فتشبه نفسها بالناي، وبالطفلة، اللذان يخدمان فكرة الألم، فقصة الناي والصوت الحزين الذي تخرجه كتعبير عن الحنين للقصبة التي قصمت منها، والطفلة البريئة التي تشتري كل ما تريد وبأي ثمن.
والجميل في الخاتمة أنها تحمل صورة الفقدان "جيوبها مثقوبة"، بمعنى أنها لا تعد تملك (مال) لتشتري به.
النص منشور على صفحة آفاق الأدب.
تعليقات
إرسال تعليق