التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب ____ قراءة نقدية لقصيدة حيفا حبيبتي ، الشاعر د. عبد الوهاب الجبوري ____ بقلم الدكتورة ورقاء محمد قاسم

قراءة نقدية في قصيدة (حيفا حبيبتي) للشاعر الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري/
 بقلم د. ورقاء محمد قاسم/جامعة الموصل
تاريخ النشر لاول مرة : 2009-06-16 في منتديات المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، وتم تحديثها لاحقا ..
للشاعر الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري قصيدة مثيرة بعنوان (حيفا حبيبتي) اثرتُ أن ابدأ بها قراءة نقدية ، لما فيها من الجرأة التي أسهمت في تحقيق درجة عالية من الانجاز المتميز في جماليات القصيدة العربية ، فهذه القصيدة الأنيقة قد حققت قدرا كبيرا من الاتساق عبر وحدة الدال مع تعدد المدلول ، أي باتخاذ (حيفا) منطلقا متماسكا في أبيات القصيدة كرمز لغوي وكوني لجملة من التجارب الشخصية والعربية الصادقة يتكئ عليها في تكثيف وجمع صورها وتكوين عناصر شعريتها ، وهذا ما يسمح لنا بالمحاولة بان نكتشف ملامح هذه الشعرية . 

حيفا ... والكرمل ... والشطان 
مصابيح أودت بها ريح الشتاء 
عيون سمراء ، تتهاوى على الأجفان 
حيفا ، محبوبة القلب والأحزان 
يذوي رونق سحرها 
إذا صبّ اللهيب عليّ يوم فراقها ،
 شوقا يشاطرني بوحها 
اشتاق لظلها ، لأشرب من نهر الكحل 
أعوم في بحر عينيها 
اضاءات تخط على يدي مشاعلها 

يعيد الشاعر تسمية الحالات كي يجعلنا نتعرف عليها من جديد ، يخلع عنها ما ألفناه من أوصاف كي تتجلى أمامنا ، فهو مبدع دوال ( اللفظ ) يعيد تكوين مدلولات( المعاني) ، والشاعر له الحق أن يصنع ما شاء بدون شرط ، لكن بدوره في نهاية الأمر يحدث فعله وتأثيره فينا ، يتم عمله علينا يهبنا نعمة هذه التـسمية ، فان قدِر تحقق الشعر وتوهّجت الشعرية . 
وحيفا عند الشاعر – دال جديد ، ليس تلك المدينة المحتلة الباكية الحزينة المغتصبة فحسب ، بل نستشف حالة رومانسية نبيلة ، حيفا هي حبيبة القلب وأسرة الأحزان ، حيفا تلك المرأة الغائبة الحاضرة في ضمير الشاعر يشكي فراقها تارة ، ويشتاق لظلها تارة أخرى ، يسبر الغور في حدقات عينيها فهما البحر ذاته ، يرنو منه ليروي عطش السنين ...

والينابيع المشردة 
تلك التي أوحت إلى المطر 
أن يفترش أوديتي 
صرت لا اطرب إلا حين تبكي 
ذات طوق هزني شجاها 
ثم حطمت كأسي ، حرّمت خمري 
حتى صار شعري غرة البدر 
وتراً يصدح في خصب الغيوم 
وأمسى نديم العذارى في الخدور 
شعاعا ، يدندن من ثريات في عرس الكروم 

وحيفا تلك الأرض الحبيبة ، والوطن ألام ، حيفا ينابيع من العطش واللوعة ، ولكن هل سيرويها المطر لتفترش وجدان الشاعر خضرة الأمل؟ !!! وبكاء حيفا ليس له وجود حسي ولا دلالة رمزية خاصة ، فهو شجن حمامة سجينة ، يرنو الشاعر لمناجاتها ، وقد هزه لحنها ورنيم هديلها تلك هي المدينة المحاصرة المحتلة الراقدة تحت سفح الكرمل والمطلة ببهاء على المتوسط ، وهنا موائمة بين حال الأمس والحاضر ، فغدا حال العراق محتلاً كحيفا بالامس ، لا شيء يوازي حزن الشاعر وألم الحنين لتلك السنين ، ذاك الألم لم يُفتر همته ولم يثنِ عزيمته ، فغدا الألم وتراً يصدح صوته الشاعر...
حيفا نديم غربتي ومداد أشعاري 
أريدها كما رئتي 
أضمّ بها هوى ساقيتي 
واملأ من ضفافها 
قناديلا لأشرعتي 
احمل أغصان الزيتون واغرسها 
فنارات استدلّ بها 
على داليتي وأضرحتي 
فتسير نحوها دموعي وأدعيتي 
حتى يفضي الحال بالشاعر إلى لون من الحلول الكوني وهذا ما نلتمسه في لغة المتصوفة الاقدمين .. إذ تصبح حيفا الهوى المتنفس للشاعر والماء المتدفق لعطشه والنور الهادي لدربه ، ويجد الشاعر خلاصه وهدايته بتتبع طريقٍ رسَمَه بغرسات من أغصان الزيتون وما تلك الفنارات إلا دلالة الأمل المنشود في ضمير الشاعر ...

هي حيفا ... حبيبتي 
أغازل وجنتيها 
فأرتقي قمم الكرمل بين راحتيها 
كصوت أبي الذي رحل قبل المغيب 
كدعاء أمي : أيها النحيب 
كن ناعما ورقيقا كحلمي 
كجدتي ...
لاذت حمائمها بأوردتي 
لا املّ درب غربتها 
وقد غفا بهديل مزمار 
هي حيفا ... حبيبتي 
هذي عتبات مجدها 
أزفّ لها نواعيري 

ويعود بنا الشاعر إلى حيفا / المرأة / الحبيبة التي تسكنه فيستحضر من خلالها صوت من رحل مبكراً كأبيه ، ودعاء امّ لازال يرنو إلى أحضانها ، يستجمع كل ما في المرأة من رقة ونعومة ، ليظلّ غافيا على أنغام صوتها ، فخورا بعتبات مجدها ...
أن تكرار الشاعر لمفردتي (حيفا ... حبيبتي) هي إشارة واضحة وتأكيد مستمر على أن حيفا هي الحقيقة التي لا مفر منها تحتمل كل المدلولات (المرأة ، الوطن ، الأرض ، الأم ، الحبيبة ، الأمل ، النور) . 

أصوغ لها 
شراييني وأوردتي
ارسمها مثل زهوي 
اغرف لها من لظى شعري وانثره 
فتورق من حرائقه 
محطاتي وأسفاري 
رحماك حبيبتي ، لا تغضبي 
أنا لست ناكراً 
لا علّق تاريخك على شجر 
أنا جسد من زجاج ، فكيف أرميك بحجر 

وتتجلى تضحية الشاعر بدلالة واضحة صادقة لاشك فيها ، وكيف لا وهو يصوغ شراينه وأوردته ألوانا ليرسم عشق حيفا ويزهو بها ، حيفا وحدها من توقد حرائقه وتطفئ لوعته ، وهي محطة أسفاره ومرسى إبحاره ، ومن الجرأة والنبل أن يبوح الشاعر بمكونات لواعجه ، فهو لا ينكر عشقه لها بل يريد أن يسجله تاريخًا فلا يتركه عالقا في مهب الريح ليتناثر كأوراق الشجر ، ومن النبل أيضا أن نعترف بشفافيه الشاعر فما أروعه حين يقول (أنا جسد من زجاج ، فكيف أرميك بحجر) دوال مدلولات عميقة تشف عن رقة الشاعر ورهافة حسه وعشقه ، ففيه من الحب لها والخوف عليها ما يكفي ويزيد ... تلك هي حيفا وتلك هي الحبيبة وتلك صورتها رسمها الباحث والشاعر عبدالوهاب باعذب الألوان فباتت لوحة تشكيلية نطقت بالحب والحنين ، وداعبت وجنات الشوق والأنين ... تلك هي .. حيفا .. حبيبتي . 

****************
القصيدة كاملة 
هي حيفا حبيبتي ....
الباحث الدكتور : عبدالوهاب محمد الجبوري

****
حيفا .. والكرمل ... والشطان
مصابيحُ أودت بها ريح الشتاء
عيون سمراء ، تتهاوى على الأجفان
حيفا ، محبوبة القلب والأحزان
يذوى رونق سحرها 
إذا صبّ اللهيب عليّ
يوم فراقها ، شوقا يشاطرني بوحها
(اشتاق لظلها ، لأشرب من نهر الكُحل)
أعوم في بحر عينيها
اضاءات تخطّ على يديّ مشاعلها
والينابيع المشردة
تلك التي اوحت إلى المطر
أن يفترش أوديتي
صرت لا اطرب إلا حين تبكي
ذات طوق هزّني شجاها 
ثم حطمّت كاسي ، حرمّت خمري
حتى صار شعري غرّة البدرِِ
وترا يصدح في خصب الغيوم
وأمسى نديم العذارى في الخدور
(شعاعا ، يدندن من ثريات في عرس الكروم }
****
حيفا نديم غربتي، مداد أشعاري
أريدها كما رئتي
أضم بها هوى ساقيتي
أملا من ضفافها 
قناديلا لأشرعتي
احمل أغصان الزيتون واغرسها
(فنارات استدل بها 
على داليتي وأضرحتي)
فتسير نحوها دموعي وأدعيتي
هي حيفا.. حبيبتي
أغازل وجنتيها 
فارتقي قمم الكرمل بين راحتيها 
كصوت أبي الذي رحل قبل المغيب 
كدعاء أمي : أيها النحيب 
كن ناعما ورقيقا كحلمي
كجدتي ...
لاذت حمائمها بأوردتي
(لا أملّ درب غربتها
وقد غفا بهديل مزمار) 
هي حيفا.. حبيبتي
هذي عتبات مجدها 
ازف ّلها نواعيري
اصوغ لها 
شراييني وأوردتي
ارسمها مثل زهوي
اغرف لها من لظى شعري وانثره
فتورق من حرائقه 
محطاتي وأسفاري
رحماك حبيبتي ، لا تغضبي
أنا لست ناكرا 
لأعلّق تاريخك على الشجرْ 
(أنا جسدٌ من زجاج ، 
فكيف أرميك بحجرْ)

***

العراق في 17/ 5/ 2009

*****************************
السيرة العلمية للدكتورة ورقاء

الاسم : ورقاء محمد قاسم 
الجنسية : عراقية 
محل الولادة : الموصل 
البريد الالكتروني : warkaa_2007***********
التحصيل الدراسي: 
•بكالوريوس لغة عربية / كلية الآداب / جامعة الموصل لسنة 1992 .
•حصلت على شهادة الماجستير بتقدير جيد جدا لسنة 2003 عن رسالتها الموسومة بـ ( حسن البزاز الموصلي شاعراً ) . 
•حصلت على شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز لسنة 2008 عن أطروحتها الموسومة بـ ( جهود الدكتور عماد الدين خليل في النقد الأدبي الإسلامي المعاصر ) . 
•لها مشاركات في مؤتمرات داخل العراق
•لها مقالات وبحوث ودراسات وبحوث منشورة في الدوريات والصحف والمواقع الالكترونية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...