التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب ____ قراءة نقدية " الإرتباك في قصيدة أمل حاف " _____ بقلم الناقد رائد محمد الحواري

الارتباك في قصيدة "أمل حاف"
القيس هشام
"دعيني بين جفنىْ حرفكِ
أقرأ لوح الذكريات
أسبر الحاضر ...لَعلّي أراود الطالعَ
كقارئ كفٍّ في نُسكِ الرؤى
تعاويذَه يتلوها رجاءً...
بيدٍ مرتعشة
تمسحُ صدر الأحاجي
نبضاتي الحرجة في رحم التّمنّي
تُقدم نظرة ...... تُؤخّر أخرى
متهوّرة المثول ... وجلة التعاطي
المعرفة وعدمها صنوان
كلاهما يؤرق خوافق الذات"
هناك أكثر من طريقة للوصول إلى ما يُراد تقديمه في النص الأدبي، منها صيغة المتكلم، فعندما يأتي النص بصيغة الأنا، فهذا يشير إلى أنه خارج من قلب الشاعر، وهو يكون أكثر تأثيرا على المتلقي حيث يشعر بالحميمية بين الكاتب والنص، هذا ما نجده في "أمل حاف" فنجد (ارتباك) الشاعر من خلال وجود بعض الألفاظ: "أراود، كقارئ، مرتعشة، الحرجة، تقدم/تؤخر، المعرفة/عدمها، يؤرق،" وهذا يشير إلى أرتباك الشاعر وعدم قدرته على (حسم الموقف)، فبدا وكأنه ضائع، لا يقدر على تحديد هدفه، لكنه يشير إلى أن ارتباكه ناتج/بسبب الحبيبة التي لا يحسن (قراءتها): القراءة/المعرفة التي نجدها في ألفاظ: "حرفك، أقرأ، لوح، كقارئ، يتلوها، المعرفة" وهذا المزج بين عنصرين للفرح المرأة والكتابة، يشير إلى أن الشاعر (أسير) للمرأة وللكتابة، فعدم خروجه إلى الطبيعة، العنصر الثالث للفرح، حال دون الوصول إلى التمرد.
وهذا يأخذنا إلى تحديد المكان الذي كتب فيه القصيدة، الذي يمكننا أن القول أنه غرفة الشاعر، لهذا كان الارتباك واضح في النص. فلو كان المكان أكثر اتساعا، لكن هناك أفق أمام الشاعر ليتخلص مما هو فيه، ويتحرر من ارتباكه وعدم قدرته على الفعل.
"لا تتلعثمي
تَبعثرُ الصّدى ناقِلٌ أمينٌ
لِما تُخفيه الحناجر...
نهاية النّفق أعِيها
وأتَعامى ...!!!
ففي اليقين شتاتي...
هنا أنا
مازلتُ أمتهن
مُعاقرةَ نبضَ ابتسامةِ عينيكِ
إليكِ ألوذ
لوْذَ مُترمِّضٍ
بجمرةٍ يلفحها الهواء"
المقطع الثاني يبدأ أيضا مخاطبا المرأة: "لا تتلعثمي" وكأنه يسقط حالته عليها، فارتباكه في المقطع الأول انعكس على (نظرته) للمرأة، فبدلا أن يكون وهو المخاطب ب:"لا تتلعثم" جعلها هي المرتبكة/المتلعثمة، وهذا يشير إلى أن المرأة هي تحمل هموم الشاعر، وهي من تخلصه مما هو فيه، وتأكيد على أنه مرتبك/موجوع/مضغوط، يمر بحالة اغتراب يستخدم "تبعثر" وكإشارة إلى حالة الضياع/التيه التي يمر بها نجده يكمل ب: "أتعامي، شتاتي" وإذا أخذنا الجهد الذي سيبذل بين شتات/وأتعامى نجده جهد كبير، فالشتات بحاجة إلى من يعمه/يجمعه، وبما أن الشاعر متعب "يتعامى" فهذا يجعل حالة أكثر صعوبة ودائمة، وهذا ما وجدناه عندما قال: "معاقرة" والتي تعني الاستمرار في ممارسة فعل بإفراط/بإدمان ودون نتيجة إيجابية، وعندما أراد الاستعانة/الاحتماء بالمرأة، وجده نفسه "متربص" وهي "جمرة يلفحها"، وهذا ما يجعل المقطع قاسي ومؤلم.
كان من المفترض بعد أن استخدم "ابتسامة عينيك" أن تتجه لألفاظ نحو البياض، لكن وضعه الصعب والقاسي ابقاه غارقا فيما هو فيه، وقد أكد على بؤس حالته من خلال تكراره "الوذ" فجاءت التكرار ليشير إلى وضعه الصعب، أيضا حاجته الملحة للمرأة.
"لم أعد أعرفني
غرٌّ أنا أَغْرتْه الأماني
بنهمٍ أقتاتُ أرغفتَها
كطفلٍ لا يبالي بشبع
يلتقم النّهد في شبقٍ
وإن مُنع... تلمَّظَ لسانُه...
هي حالة اللاوعي
واجترار الحلم
في مساءاتٍ مُبَطَّنةِ الأملِ
وحين الإصباحِ
شقيٌّ حافٍ." وضع الشاعر القاسي نجده من خلال فاتحة المقطع: "لم أعد أعرفتي، غرا أنا، أغرته" فالمعنى يأخذنا إلى التيه/الاغتراب، فما كان يحمله من "الأمل/"الأماني" لم يكن له أرض يرسو عليها، وهذا يعيدنا إلى ما استخدمه في السابق: "تبعثر"، ففي المقطع الثالث (يشرح) ما هو فيه وبصور أكثر (وضوحا) لهذا نجده يشبه جوعه/حالته بحالة الطفل الرضيع.
لكن هو ليس طفل، وهو "يقتات" من نهدها دون أن يشبع، وما "معاقرته" التي جاءت في المقطع الثاني إلا تأكيدا على أنه لم يرتوي ولن يرتوي منها، فالمشكلة ليس بها هي، بل في الشاعر، الذي يمر بحالة في غاية القسوة، وما ختمه القصيدة ب: "شقي جاف" إلا تأكيدا على ما هو فيه من بؤس/ضياع/تيه/اغتراب.
القصيدة منشورة على موقع آفاق الأدب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...