التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجلة آفاق الأدب _____ قراءة نقدية للوحة الفنان هشام صيام / رسم بلا عنوان ____ بقلم الناقدة حبيبة محرزي


رسم دون عنوان 

لوحة للشاعر والفنان" القيس هشام " من الفن التشكيلي العميق الصارخ بالثنائية الكونية البصرية "الاسود والابيض" هذه الثنائية ليست وحدها التي تشد المتلقي للوهلة الأولى بل إن ثنائية الشكل تنتصب صارخة "الاستقامة والانحناء"وثنائية الدلالة "الصمود والانهيار" وثنائية الوجود"الحياة والعدم ".
رسم أن تعمقنا في مدلولاته بعيدا عن ظروف الابداع وأسبابه ودوافعه واللوحة رسمت قبل الحدث بسنوات اي ان الفنان يستشعر الحدث ويعرج ويسري في التخيل والرؤى والتي تظل في انتظار اللحظة الفارقة الفاصلة بين الخيال والحقيقة لتؤشر على ما حرك قلم الفنان ودفعه نحو شكل أو رسم دون آخر .
نجد أننا أمام الحادي عشر من سبتمبر لحظة الكارثة اي ان الحدث بدأ لكنه لم ينته وكان الرسام لم يستعمل قلما اسود بل عدسة مصور وثقت اللحظة وهي في طور الوقوع .
على اليمين ناطحة السحاب وان صمد منها شق خلفي فإن الانهيار مستمر بأحجار واشياء نتدافع نحو الأرض ممتزجة مع حطام عمارة أخرى مازالت تكابد بقلب طولي عمودي اسود قاتم بدأ يتعرى من كل الجهات التي بدت مثلومة منهوشة ويستعد للحظة الحاسمة .لحظة يصبح بعدها في عداد الاندثار ليصنف كركام كان منذ لحظات عمارات شاهقة بجمالية أخاذة ونفعية ثابتة. 
في الحطام نتوءات مختلفة الأشكال والأحجام وقد تكون من بينها ذراع أو مرفق أو أشلاء مصاب عجنت دماؤه مع الأتربة والأحجار .
والرسام جعل من قلمه الاسود فقط وسيلة تعبيرية توثيقية لأن الابيض موجود بالفطرة والمنشإ وهو الركح أو المسرح بلون صفاء وود وحب وهيام قبل أن يغتصبه القلم الاسود ويحوله إلى ساحة انهيار ودمار .
والقلم الذي وصف ونقل وسطر الحدث أثناء الوقوع فإنه لم يغفل الكائن الحي والذي انطلاقا من الحدث صوره ككائن شيطاني بقرون معقوفة مشرئبة في انحناء نحو العمارتين المنكوبين. 
وجه جامد مغلق قاس نافذ النظرات عميق الشر المبيت بلحية واذن تبدو كختم ذي أهمية قصوى في الحدث .
وجه يغرق في بركة داكنة قانية سيلونها المتلقي لأن السواد يحيل حتما إلى الجريمة وسفك الدماء والذي يرصد المشاهد قطرة بمستويين وتدرج من الكبر إلى الصغر ،لترتطم بالسطح الذي سيرسٌبها في قاع المستنقع الاسن
 الأرضية كمستوى سفلي مزروعة بمعقفات حادة قاتمة كمخاطيف حديدية تعوق التقدم وتمنع النجاة. 
رسم قدّ بفنية عالية زادتها رونقا الطباق الكلي بين الأبيض والأسود إذ وقف المتلقي غلى سحر البياض في مبارزة مع السواد لبناء مشهدية عالية الجودة يمكن فيها القياس والتأويل.ولعل الرسام لم يهمل العنوان الا قصدا لمنح المتلقي مطلق الحرية في التفاعل مع اللوحة الفنية تفاعلا وجوديا فنيا راقيا .
حبيبة المحرزي 
تونس

 وهذه حكاية اللوحة يرويها الفنان ذاته :

إنه لمن دواعي سروري أن ترى لوحة من لوحاتي وخاصة تلك اللوحة هذه الوقفة من زيتونة الخضراء وأديبتها وناقدتها الفذة 
حبيبة المحرزي Habiba Meherzi 
هذه اللوحة تحمل في داخلي معاني مختلفة تهمس أن الفنان التشكيلي قد يتبادر لذهنه الداخلي ـ الأنا العميقة ـ ما يجعله يشم الخطوط ويمزج الألوان ـ إن لزم ـ في دراما لا يعي كونيتها إبّان لحظة الوشم ،
وهذا ما حدث بالفعل مع تلك اللوحة التي حينما رسمتها قبل الحدث بسنوات لم أعي كونية عروجها التشكيلي أو لماذا وَشَّت أناملي هذا الرسم دون وعي ،
وكيف نظرت وقتها للوحة من جميع الاتجاهات وأيضا بالمقلوب كما اعتدت أن أرنو إلى لوحاتي ـ ههههه ـ ثم ألقيت بها فيما أطلق عليه ( زبالة الفنان ) تعبير مجازي يعني ما تم رسمه ولم ينل إستحساني ليس لكونه غير منضبط كرسم وتشكيل ولكن لأنني شعرت أنني كنت أشخبط على الورق دون إدراك لمجرد تضييع الفراغ في تلك الفترة ،
ثم أفيق كما كل الكون على الحدث بعدها بسنوات فأهرول دون وعي نحو مكتبي وافتح درج المهملات الخاص بي ،
وانا جالس القرفصاء يدي كلها تحولت بأنامل تنبش بين ركام الإسكتشات حد اخراج الدرج من مكانه والقاء محتوياته وإياه على الأرض ،
إلى أن وجدتها وظللت أحدق ما بينها وبين المشاهد على الفضائيات ..،
هي قصة لوحة استمرت قصة عروجها الرؤيوي ما بين رسمي لها وحضور الوعي بما تحويه من طلاسم سنوات ،
مما يشي أن اعقل البشري العميق يحمل تصورات ورؤى في ماهية رموز قد لا نعي ماهيتها في لحظة مثولها بين راحات حاضرنا وتظل في ضبابيتها لفترات قد تطول لعقود إلى أن تكشف عن ذاتها الرؤية ،
 أو تظل دون أن يدري صاحبها ما هيتها حتى يوارى الثرى ،
وها هي الآن تقوم قيامتها من جديد عبر هذا التحليل الدقيق للمساحات الإنزياحية ما بين الأبيض والأسود وما بينهما من خلال رؤية مسبارية لناقدة الخضراء الوارفة بين النجمات ،

كل الشكر والتقدير أيتها البهية على هذه الوقفة التي أثمنها بالكثير أمام لوحة من لوحاتي ،

هشام صيام

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة آفاق الأدب / بائع الجرائد / الشاعرة شذى البراك

الشاعرة شذى البراك  بائع الجرائد بين الحرب والسلام.. أحمل خطاي المتثاقلة.. أتأبط شره الكوارث.. ودموع الثكالى.. وأبراج الأحلام الوهمية.. في صحفي.. جراح كنصال في خاصرة الزمن.. حيث وطني المعلق بسارية من دماء.. ورياح التطرف غراس اشتهاء يبيع الانتماء في أسواق النخاسة.. وفي سطوري بات إيقاع الحياة سريعا.. يموج بواقع مضطرب..  مهووس  فلم تعد للسلام أجنحة يحلق بها.. وصار يشكو هويته الضائعة.. والفوضى أعتى من أسلحة الدمار الشامل.. والقلوب تقتل بنيران صديقة..

من أنت أبها الطير / الشاعر غازي القاسم

 وقالت :- مِن أينَ أنتَ أيّها الطير ؟  وقلت :- أنا طيرٌ مِن بِلادِ السَلامِ  وَلَمْ يزُرْهَا السَلامُ بَعدْ  أنا مِن تَحت ظِلالِ أشْجارٍ  تَحْتَها تَفَيأَ الأنْبياءُ  لَم تُمْطرٰ السَماءُ هُناكَ بَعد  أنا مِن بِلادٍ تَكْتُبُ التَاريخَ بِالدَّمِ  فيها مات المُسْتحيلُ  تُلوَ المُستحيلِ  أنا مِن بِلادٍ يُحَارِبونَ كَيّ  يَنْتَصِرَ الجُرْحُ عَلَى السِكينِ  أُغْنيتي شَهقَةُ شَهيدٍ  لا ينتسبُ لِلمَوْتِ  يَرْسُمُ في السَماءِ سَحَابَةَ مَطَرٍ  تنبتُ قَمْحَ حَياةْ  أنا طيرٌ أبَدِّيُ التَحليقِ  صُعوداً مِن هَاوِيَةٍ إلى هاَوِيَة  أنا طَيْرٌ لَهُ تَرانِيمٌ  مِن وَقْعِ خُطى الغُزاةِ  وَصَرْخَةِ الخَطَايا  أنا أُغْنِيةُ طـفْلٍ يَرْفَعُ شَارَةَ نَصْرٍ  وَعَلَماً وَحَجَراً  وأنا لَوْعةُ الأُمِ تَشمُ قَميصَ شَهيدِها  وَلَوْعَةُ طِفْلَةٍ تَيَتَّمت عَلَى بَابِ العِيدِ  أنا تَغْريدَةُ  مَوتِ الموتِ في الموتِ  شَهْقةَ حَياةْ  غازي القاسم

مجلة آفاق الأدب _____ على صراط البينات _____ الشاعر شاه ميران

على صراط البينات  رقعت ثياب نعاسي  بخيوط يديكِ  كنت رثاً  مثل وصايا العجائز  اتغير بأستمرار  قايضت جبيناً بشمس الظهيرة  ظننت بأنني خسرت الاف اميال الدفء  و قمح ما بين عقد الحاجبين  مر قبالة فمي  من غير وداع حاصد  حلمت بالجوع كثيراً  حتى اخذتني رياح شعر مسترسل  الى قارات لم تكتشف  انتِ ، بردية ندى متحولة عطراً يتعطر بدجاه ترغمين الكون كسلاً في رأسي  ثم تبعثرين الأوراق قبل ملئها  مس عنقي اشباح اظافرك المبتذلة  و انا مزدحم بآواصر اللاوعي  فعمري الآن  لا يتعدى رقصة تحت المطر  و طفلة خيال تتأرجح  في باحة اشعاري الخلفية  كيف تحتملين خرائب صدري  و معارك الشخير المنهزم  من ميادين الرئة  لست ساكناً حراً  بل على تماس مع  تفعيلات مبسمكِ الضوئي  كرحلة الأنجم  هيت لكِ طوداً  سيغفوا فوق حقول القطن  تاركاً رموز قصيدة مختمرة  حتى يستفيق  قديم انا  مثل غبار يغطي سطح كتب الشعوذة  ساذج الرد  كصخرة جليدية  تهمل العوالق قضيتي...