مجلة آفاق الأدب ____ قراءة انطباعية لنص إختراع الدهشة للشاعرة عبير عيسوي ____ بقلم الناقد زين المعبدي
من البديع أن ترى ذاتك بعيون الآخرين وهذا تحديدا ما يقدمه النقد من مكرمة للمبدع وللإبداع ، عدا عن كون الحرفية النقدية قي حد ذاتها هى إبداع مواز عظيم الشأن يمتلك أدواته وتقنيته ولا يخلو من نكهة الناقد الشخصية التى تمنحنا متعة متابعة ناقد بعينه بل والإحتفاء بكل ما يقدمه من جديد
وهنا أحتفي معكم بإطلالة نقدية إنطباعية من المدرسة التفكيكية بإقتدار أعرضها فيما يلي بقلم/ زين المعبدي ل نصي
(إختراع الدهشة
من مشهد مكرر للقمر) --
------------------------------
الطريق نفس الطريق
والسفر نفس السفر
محتجالك
لإختراع الدهشة
من مشهد مكرر للقمر
لإنتزاع المعنى
للعطشان
من حبة مطر
لإجتماع النبض
بين الرؤيا والتأويل
إذا شاء القدر
محتجالك
محتجالك والملل
نفس الملل
بس هات وياك
ولو فكرة أخيرة
انفخ الروح ف الحجر
خايفه من ليل
حزنه غامق
من نهار يفضح
الفجر اللي فارق
شمسه تلسع
خد الحبيب
وتقوله ..
دا قسمه ونصيب
وتسلمه للإنتظار
ف يضيع معاه عمره هدر
والصبر نفس الصبر
مفتاح الملل
محتجالك
لإختراع الدهشة
من مشهد مكرر للقمر
-----------------------------
يستخدم الكاتب اللغة اليومية
والحدث اليومي
لا ليتحدث عن الحياة من بعيد !
ولكن يريد إختراقها من خلال الحداثة.
لأن المجاز اللغوي الكثيف في السابق، ساهم في إبتعاد الكُتاب عن الحياة ( لأسباب قد تكون سياسية أو إجتماعية وربما إختلاف أذواق )
واليوم الكتابة الجديدة تعيد الشعر للحياة بعد أن إبتعد عنه جمهور عريض.
وها هنا تسطر لنا الأستاذة/ عبير العيسوي
نص في منتهي التكثيف والإثار
وقد مزجت أ/عبير
بين القديم في المجاز والتكثيف و (الذي عليه إختلاف) وبين السهولة والبساطة في الحديث ( وهذا سيتضح لاحقاً ).
إختراع الدهشة
العتبة تتحدث عن الدهشة بإدهاش فهي النقطة المركزية التي تدور حولها أحداث النص..
كيف نخترع الدهشة؟
إنه لأمر محير ومدهش
وهذا هو المطلوب من النص الأدبي إثارة الدهشة وحب الإستطلاع لدى المتلقي
نحن لا نكتب لأنفسنا فقط
هناك جمهور عريض ينتظر ثمرة التجديد وهاك هو التجديد.
الإختراع (الإبتداع أو الإكتشاف) هو شئ مادي والدهشة شئ معنوي
ولا تحدث الدهشة الإ بحدوث شئ مفاجئ مخالف لأعراف العقل إذن هناك شخص يأنّ من الوحدة والألم، يريد أن يندهش بشئ مختلف يغير مود حياته أو يكسر الملل والرتابة
إختراع الدهشة...
كمية الألم والمعاناة الموجودة بين المفردتين تكفي لإذابة أحد القطبين بنار الوحدة والملل.
ويتضح من خلال قراءتي الأولية للنص، أن البطلة مرٌت بتجربة زرعت بداخلها ألغام قد تكون للحماية أو للتفجير وفي الأخير!
ألغام الإبداع بداخلها تطالب بالتفجير وهذا واضح من خلال العتبه وباقي مفردات النص التي تشئ بذلك
مثل/محتاجالك / هات وياك ولو فكرة ( استعطاف ورجاء) / أنفخ الروح في الحجر.........
مشهد مكرر للقمر
كلاكيت ثاني مرة !
تريد أن ترى ولو أي موقف يتكرر قد حدث بين البطل والبطلة قديماً ليعيدها إلى حياة الكتابة والإنطلاق
مشهد/ ترمز إلى موقف
القمر /تنزاح إلى نفسها فهي تعتز بأنوثتها
والقمر/ دائما يرمز للنور والجمال
وهي أيضاً تريد أن تخترع لنفسها دهشة ولو بالذكري أينعم
مصطنعة وشعورها خافت ولكن أفضل من الملل والوحدة.
فهي تحتاج ( الإلهام ) والإلهام يعشق الدهشة.
وضربت لنا مثلاً في جملتين وهما/
الطريق نفس الطريق /
والسفر نفس السفر
الحياة المعتادة .
كل تحركاتي وحياتي روتينية ومواقف مكررة
والطريق والسفر سيميولوجياً
يدلان على / الإغتراب والفرقة والتشتت
ولكن هنا تقصد الكاتبة غربة الروح وما أدراك بغربة الروح تشعر وكأنك تقبض علي قطعة جمر أو تسير على جسر من الألم.
ولا زالت تناجيه ( محتجالك )
لإنتزاع المعني
للعطشان من حبة
مطر.
هنا جاء أول تعليل لسبب الإحتياج .
وهو أن ينتزع المعني من المطر ليروي بها العطشان
هذا ظاهرياً.
أما لوتعمقنا بعض الشئ
ستجدها/
تنزاح إلى الإلهام لتطلب منه
أن يمنحها المعاني والكلمات لتضمد جروح المجروحين وتروي ظمأ الأرواح العطشى
( من حبة مطر )
المطر/ سيميائياً دليل على الخير والنماء والوفرة
وكونها تطلب المعنى من حبة المطر فهي تحتاج أن تكون كلماتها وفيرة مفيدة لينه تُسر لها الأعين والأذان.
كما أن من عادة الشعراء التأثر بالطبيعة من أنهار وبحار وجبال وأمطار.... إلخ
فهي تأثرت ( ميتافزيقياً ) بذلك حيث ذكرت:
القمر/ الشمس/ المطر / الليل / الفجر/ الحجر....
كلها كلمات من وحي الطبيعة
فيها إيحاء سيميائي
فمثلا
الليل / يوحي بالقلق والتوتر وتكالب الأفكار
المطر/ يوحي بالرخاء والخير والعطاء.....
وهكذا نراها تتأرجح بين الأفكار
بما يتناسب مع طلب التغيير.
تأتي العلة الثانية التي بسببها تطلب الدهشة وهي إجتماع النبض بين الرؤيا والتأويل وذلك بمشيئة ربها وهنا تظهر ثقتها بربها ووازعها الديني المتين.
وحين يجتمع نبض القلم بما تستشعره القلوب وتراه العيون وتأوله القلوب تنساب الكلمات
فتخط بديع الحرف ويتحقق المراد وهو العودة لروحها ولكتاباتها بعد توقف دام طويلاً
بسبب الرتابةوالوحدة وظروف أخري هي أعلم بها منا.
ولا زالت تعاني وتطلب أن ينفخ في الحجر
فالحجر هنا / إنزياح لنفسية البطل التي تصلدت وأصبحت جامدة كالحجر.
وتصل الأحداث لذروتها وتعقيدها
وتنساب التراجيديا في تعليل سبب الإحتياج وسبب الخوف
وهو أن ينتهي الأجل ويحل ظلام القبر وينتهي كل شئ
اوتندثر الموهبة ويضيع كل شئ هباء
فتقول الشاعرة
خايفة من ليل حزنة غامق/ قد يكون إنزياح لظلمة القبر وقد تقصد موت الفكرة بسبب الوحدة
خايفة من نهار يفضح الفجر
الفجر / رمز لولوج الأفكار ومهد الإبداع خايفة يظل هذا الوضع طويلاً فهي تخاف على من فراق الموهبة والإلهام
وكأنها الأم الحنون الذي سافر وليدها وهي قلقة خائفة عليه والوليد هنا (الإبداع) الذي فارقها وتتمني رجوعة لا براً ولا جواً !
ولكن عن طريق الدهشة.
الخوف هنا من الإنتظار الذي قد يأتي في الأخير بالخذلان، والقسمة والنصيب والصبر وكلها تأكل أيام العمر كما تأكل النار الهشيم والحطب
وفي هذه الأثناء تهدأ الأمور ولكن لاتنحل العقدة بل تترك النص مفتوح ليحمل العديد من التأويلات كلاً حسب ذائقته.
الأسلوب/ ترجي يحمل معني الأمر الطلبي.
الترجي واضح في:-
محتجالك/ لأختراع/ لإنتزاع/ لإجتماع
كلها مصادر توحي بالطلب والترجي.
وكذا أفعال الأمر
هات/ أنفخ ...
وكما بدأت قفلت أو إنهت.
اللغة:-
عامية مصرية أقرب للفصحى
سهلة معتادة لاتحتاج الى توضيح.
الإيقاع:-
جاء سهل سلس رنان ومقبول
فالإيقاع الداخلي جاء بتكرار بعض الصور والجمل والمفردات وذلك واضح في تكرارها للجمل:
والمفردات وذلك واضح في تكرارها للجمل:
إختراع الدهشة/ مشهد مكرر للقمر / الملل نفس الملل.....
وتكرار المفردات:
الطريق/ السفر / نفس/ محتجالك.....
وكذلك التجانس بين الألفاظ
والتأرجح بين الجناس التام والناقص والمرصع والمعنوي والملحق
وكذا التوكيدات اللفظية المفردة والمجملة
كلها أدت دور موسيقي عذب أضفى علي النفس طابع ملموس ومستفز لإعمال الذهن
والدليل ها هو أنا أكتب شعوري كقارئ بسيط.
الصور الشعرية:-
منها ماجاء بياني ومنها ماجاء بديع والمجال لايسمع بذكر الإستعارات والكنايات والأوامر ....الخ
والتوظيف
الرموز والانزياح جاء عميق موحي مدهش وكذلك الضمائر منسابة كلاً في موضعه.
البناء:-
جاء الموضوع موحياً بالوحدة العضوية ووحدة التجربة
وهو الإحتياج.
تقديري للنص:-
إنهزامي يطالب بالثورة والعودة لحياة كانت جميلة
وهذا النص قريب في تناصة مع نص سابق لنفس الكاتبة
معنون ب ( مقبرة جماعية )
## زين المعبدي ##
تعليقات
إرسال تعليق