الحرية الخطأ
قصة قصيرة
نتالي طالبة من أصل هولندي، تقطن مع أهلها في نيويورك، انهت دراسة المرحلة الثانوية بتقدير ممتاز. عرضت عليها إحدى الجامعات في فيلادلفيا مجاناً
منحة دراسية، وإقامة بسكن الطالبات...
تحرص بعض الجامعات أن يتخرج فيها طلبة متفوقين، تتفاخر فيهم وتعتبرهم وسائط دعائية، في سوق العمل.
اسكنوا نتالي مع طالبتين مدعومتين يدرسان على حسابهما الخاص...
هي طالبة مجدة، تحاول دائما أن تحافظ على مرتبة متفوقة في نتائجها، لذلك كانت حريصة على كل دقيقة من وقتها، بينما زميلتيها في الغرفة، لا يعنيهما الأمر بقدر ما يهمها أن تعيشا حياة الشباب الصاخبة، أو بمعنى أوسع حياة الفلتان الشبابي... كانتا تدخنان الممنوعات، تشربان الخمر تنتشيان، تخرجان مع الشباب، ترقصان بجنون. تسهران في الشوارع...تتبجحان بأنهما يتنفسان الحرية، منبع السعادة.
المشكلة كانت الطالبتان تستهزئان بزميلتهما في الغرفة، لأنها لا تشاركهما حياتهما الضائعة التافهة.
كانت نتالي تهرب إلى مكتبة الجامعة، تدرس بعيداً عن جو الغرفة المشتركة، لكن المكتبة تغلق أبوابها في العاشرة ليلاً، وكثيرا من الأوقات لم تتمكن من أن تنهي دراستها اليومية في المكتبة، لذلك كانت تحاول أن تنهي دروسها في الغرفة بجهد مكثف، بسبب الصخب الذي تحدثانه زميلتيها.
جاءت عطلة، نتالي اخبرت زميلتيها بأنها ذاهبة تزور أهلها في نيويورك...فوجئت، بأن أهلها غير موجودين، قال الجيران إنهم ذهبوا إلى ميامي للمشاركة في عرس أحد أقربائهم الهولنديين... تخوفت من أن تنام في المنزل بمفردها، لذلك ركبت القطار وعادت ادراجها إلى جامعتها...
عندما دخلت غرفتها، أرعبها وجود زميلتيها تجالسان شابين في الغرفة، وكانوا في أوضاع غير مسموحة قطعياً في الحرم الجامعي...
قالوا لها أذهبي وعودي في الصباح، أو نحضر لك شاباً تتسلي معه...
خرجت نتالي وهي ترتجف من الغرفة باكية، ودخلت غرفة صديقات لها في غرفة مجاورة، ونامت عندهم تلك الليلة على كنبة...
في الصباح تحت الحاح زميلاتها، تقدمت بشكوى إلى إدارة الجامعة...
جرت تحقيقات انتهت بفصل الطلبة الأربعة من الجامعة لمدة أسبوع، عقوبة مخففة نسبياً، نظرا لعلاقة عميد الكلية الطيبة مع أهالي البنتين. لكنه أنذرهم: في حال تكرار مثل هذا الفعل، سيتم فصلهم جميعا فصلا قطعياً من الجامعة.
المجلة الجامعية نشرت الخبر حتى تجعله رادعاً لعدم تكرار مثل هذا الأمر في الحرم الجامعي...
قررت المفصولتان أن تنتقما من نتالي انتقاما يصيبها في الصميم...وبذلك تتخلصان منها إلى الأبد...
شعرت بالمؤامرات تحاك ضدها خلف الكواليس، كانت تصلي وتقول: كونوا مع الله ولا تبالوا... لا يصيبكم إلا ما كتبه الله لكم.
لاحقاً، دخل شرطيان قاعة المحاضرات، وتهامسا مع الأستاذ المحاضر، والأستاذ طلب نتالي أن تأتي إليهم.
وضع أحد الشرطيين الأصفاد في يديها فوراً، بينما الثاني كان يفتشها ربما هي تحمل سلاحاً أو ممنوعات معها...
سأل الدكتور المحاضر الشرطيين ماذا هناك؟ قالا له هذه الفتاة تبيع المخدرات في الحرم الجامعي؟
قال الدكتور: هذا مستحيل، أنا أشك في نفسي، ولا أشك في نتالي، هذه الطالبة قمة في الأخلاق الحميدة...
قال الشرطي: لقد وجدنا هذه المخدرات في خزانتها، طالبات تقدمن بشكوى إلى مركز الشرطة بهذا الأمر.
ضج الطلبة في المدرج، وأغلب الطلبة صاحوا هذه مؤامرة من صناعة زميلتيها في الغرفة.
سحبت الشرطة نتالي إلى السجن، جميع الطلبة في الكلية خرجوا في شبه مظاهرة يطلبن التحقيق الفوري في الأمر وإطلاق سراح زميلتهم...
نتيجة التحقيقات الدقيقة، ومن بصمات قليلة وجدوها، تعرفت الشرطة على الفاعل...
اقر الطالب بفعلته، واعترف بان زميلتي نتالي هما اللتان دفعتاه أن يضع المخدرات في خزانتها مقابل مبلغ من المال...
اخذت الشرطة الفتاتان والشاب وأدخلوهم السجن، والجامعة طردتهم نهائياً ودمغت ملفاتهم بالختم الأحمر، اشعارا للجامعات جميعاً، بعدم قبولهم فيها نظراً لسوء اخلاقهم...
جرت محاكمات مكثفة، أخذت دورا كبيرا. تدخل فيها مسؤولون كبار في الدولة، ضغطوا على القاضي، لكن القاضي، رفض ضغوط المسؤولين، رفض الرشاوي المغرية بشدة، وأصر على نزاهة الحكم، وقال: إذا فسد القضاء، فسدت الدولة، وتنهار الأمة. وقال: القضاء هو الملك...
كان الحكم مستغرباً تماماً عشر سنوات سجن فعلي للطلبة، وعشر سنوات سجن لأهل الطالبتين، أو غرامة كبيرة من المال عوضاً عن سجنهم...
وسبب الحكم، بأن أهل الطالبتين هم الذين أفسدوا تربية بناتهم بالدلال المفرط، غير المسئول، واعطائهم المال بسخاء...وعدم مراقبة تصرفاتهم الشاذة.
ترجى الأهل نتالي أن تسقط حقها عن ابنتيهما، وحاولوا رشوتها بالمال الكثير، قالت نتالي: أنا أشفق عليهما كثيرا لأنهما ضيعتا مستقبليهما بحماقتيهما من أجل حرية مريضة، سببها اهمالكم لهما والآن، انتم تكرسون ضياع ابنتيكما، بطلبكما هذا، ابنتيكما فهمتا الحرية تسيباً، بينما الحرية التزاماً...
ألف القصة: عبده داود
تشرين ثاني 2022
تعليقات
إرسال تعليق