مجلة آفاق الأدب / قراءة نقدية لنص الشاعرة رابعة الصالح ترانيم الروح /بقلم الناقد و الشاعر علي المحمودي
ترانيم الروح ❤️🌷
.... .....
وتتوه خطاي من الدرب
ويدب الياس إلى قلبي
أتساءل في صمتٍ دوما
ماذا لو غاب ولم يأت
فالبعد غدا مثل الموت
فالشوق كجمر يحرقني
والنفس لنارٍ كالزيتِ
فأضيع بصمتي أحيانا
وتحال ضلوعي بركانا
ويضيع الشرق من الغرب
فبدونه لا ليل يمضي
أبدو. صحراءً في القيظ
وأعود لأجمع خطواتي
فلقاؤه في علم الغيب
...... ...... .......
نص الشاعرة السودانية رابعة الصالح فهى بنت حضارة عريقة وأرض تنبت الجمال طيبة وبساطة على ضفاف النيل الأسمر الفتي فلا عجبا إذا جاءت نصوصها الشعرية مضمخة بعطر الجمال وبساطة الطبيعة فكلنا يذكر الفيتوري كصوت مختلف فهو السهل الممتنع فكثيرا ما تخفف من سمات الفحولة والجزالة ليشبه الشعر عنده وجه الحياة الجميلة وكذا من منا من لا يعرف ادريس محمد جماع الشاعر الأشهر فهى أرض تجود بكل ما هو طيب ولنترك ذلك لنص واسلوب الشاعرة رابعة الصالح فأسلوبها سهل بسيط في صياغة النص لا تجنح للإطالة دون داعي لذلك تجد النص مكتنز بتفاصيل كثيرة مع جودة في التكثيف والإيجاز كما قيل البلاغة هى الوصول بأقصر الطرق إلى الفكرة فهنا النص المعنون بترانيم الروح فالترانيم تراتيل وأغانٍ من منطلق ديني ما ترددها غير الأرواح فهى المقدس فالعنوان مركب من مضاف ومضاف إليه جاءت كخبر المبتدأ المحذوف من السياق الضمير هى فهى ترانيم الروح فعلا القصيدة ترنيمة احاسيس وحروف وجدان فالعنوان وفق في وصف القصيدة من خلال الجمع بين الروح التي هى ملاك الإنسان والترانيم التي ترمز لمقدس فالشعر كما قال الشاعر السوري نزار قباني ليس حمامات نطيرها بل هو تفاصيل من المشاعر السامية تفيض بها الأقلام على دفاترها ولنترك العنوان إلى النص فهو نص تفعيلة التزمت في كثير منه بتفعيلة الخبب أو المتدارك بكل تغيراتها وكعادة قصيدة التفعيلة تتخذ من البحور الصافية بناء عروضيا دون أن تتقيد بعدد أو صورة معينة لتلك التفعيلة فهى تتشابك في كثير منها مع تفاعيل الكامل حتى كأنك تظن انه هو كما في المبتدأ وتتوه متفاعل ///*//* خطاى من د //*//* درب متفا
/*/* ويدب ال///*/*هكذا أتت التفعيلة فعلن///* خطا//*
ي من د فعلن دربي /*/*فعلن لكن الأذن تجد وقع الخبب والركض في النص مع حرف الروي المجرور بين الباء والتاء في غالبية القوافي وقد شذا ذلك مع وبركانا والقيظ لتعطي للموسيقى مساحة أكبر من خلال تغير طبيعة التفعيلة وحرف الروي دون التقيد بالضوابط الخليلية ولنترك ذلك البناء إلى الأبنية الفكرية والجمالية في النص
فالبداية بالواو وكأنما هناك كانت مساحة من البحث لم تذكرها الشاعرة لم ترد سرد تفاصيلها حتى ولو على اعتبار أن الواو حالية تعطي ذات المعنى فالخطى تفتقد دروبها فالدرب هو الطريق دلالة على مسار الحياة فالحياة طريق وفكرة وجودية بامتياز تربط مفهوم الحياة بالحب فبغير الحب نفتقد الوجود هكذا جاء المفتتح يعبر عن الضياع الإنساني من خلال أفكار قدرية كما قال أبو العلاء
مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
ومن ثم تكرر الواو والفعل المضارع للتأكيد على استمرار زمن الحدوث مع استخدام الشاعرة لتسهيل الهمز في اليأس وكأنه يتسرب إلى النفس دون وعي منها واطالة صوت الحرف من خلال المد اللازم في الألف واستخدام حرف من حروف المعاني إلى الذي لانتهاء الغاية ودخول ما بعده في حكم ما بعده فقد تسرب اليأس حتى وصل إلى القلب الذي هو محل الدراية والإحساس
وتتوه خطاي من الدرب
ويدب الياس إلى قلبي
ثم يأتي السؤال الافتراضي ملتسبا بواقعية الحال من خلال في التي تحاكي الظرفية وكأن الصمت هو المكان والزمن معا لذلك السوأل وقد ثبتت هذا المفهوم من خلال دوما التي تعني الإستمرار وكأن تلك التجربة رهينة الصمت لتبقي الباب مواربا للحضور حتى ولو كان منفيا من خلال الفعل يأت المقيد باداة الجزم وحذف الحرف المعلول واخضاع الفعل للجر فالغياب والحضور يستدعي كلاهما الآخر في علاقة متشابكة لحد ما فصوت المخاطب لا يأتي إلا من خلال ضمائر الغياب المستتره
أتساءل في صمتٍ دوما
ماذا لو غاب ولم يأت
لتصل بعد كل هذا إلى الوصف
لتصف البعد وتشبيه تشبيها صريحا بالموت الذي يعني الانقطاع التام وقطع أسباب الأمل للرجوع لكن بقاء الأثر وحضور الشوق وتشبيهه بالجمر الذي يعني العذاب لا الموت فالموت المذكور لا يعني الموت على الحقيقة بل هو موت للشعور تجاه الحياة في حال الغياب ولتترك الباب نصف مفتوحا للعودة
فالبعد غدا مثل الموت
فالشوق كجمر يحرقني
وتسترسل الشاعرة في الوصف
وتصف النفس كالزيت الذي يزيد النار إشعالا وقدمت النار على الزيت فالنار موجودة سلفا وإن زادت من خلال تحول النفس إلى زيت لتصل بالفعل المضارع إلى الضياع واستمرار الحالة فالصمت أضحى مكان كالتيه تضيع فيه النفس حتى تستحيل الضلوع إلى بركان داخلي يمنعه الصمت أن يلقي بحممه من خلال الخروج من ذلك الصمت
والنفس لنارٍ كالزيتِ
فأضيع بصمتي أحيانا
وتحال ضلوعي بركانا
فبعد ذلك الوصف تأتي للتعبير بالجهات لفقدان البوصلة وامعانا في الضياع فعندما تضيع الثوابت فالشرق والغرب ثوابت كونية لا تضيع إلا بحدث يفني الوجود ذاته كالقيامة وزوال الكون تعبير مجازي عن شدة الضياع واختلال الثوابت الكونية لتعطي تجليات ذلك الضياع بامتناع تعاقب الظواهر الكونية لتأتي باللفظ دون الظرف الملتصق بهاء الضمير الزائدة للكناية مع لا النافية لتجعل الارتباط الوجودي به في حال الغياب مانعا لمجيء النهار الذي يعني الجديد والنور واستمرار حالة الليل يعني استمرار حالة الألم والمشقة فعند الليل تصبح الذكريات أشباحا تطارد الروح
ويضيع الشرق من الغرب
فبدونه لا ليل يمضي
لتأتي للختام بوصف جامع لما سلف لتستحيل الذات إلى صحراء لا ماء لا ظلا تيه هى من رمال ورياح وعواصف وصخور وزاد الوصف ألما أنه في وقت القيظ وهو أشد ما تكون فيه الشمس حارقة ذروة الألم بذرة الصهد وكأن الأيام صارت موسم الألم فهنا يأتي صوت الشاعرة عائدا من بعيد بعد السير في ذلك الدرب الذي بدأت به النص يحاول أن يلملم الذات من خلال جمع الخطوات وتوجيهها بعيدا عن الألم وكأنها ارهقها المسير لتعود لتتفكر في ماهية تلك التجربة وذلك الغائب القدري لترجع إلى اليأس الحميد وإرجاع اللقاء إلى الأقدار تخففا من صراع ذاتي وترك الخواتيم لذلك القدر
أبدو. صحراءً في القيظ
وأعود لأجمع خطواتي
فلقاؤه في علم الغيب
هكذا جاء النص وانتهى رائعا فيا له من نص بديع تحياتي والورد
علي المحمودي
تعليقات
إرسال تعليق