الأديب هشام صيام
من أرشيف قراءات القيس هشام ..
قراءة تأويلية تحليلية في نص " مشاهد قد تؤدي للعناق " للشاعر المصري هيثم رفعت ...،
النص ..
............
شظايا صوت :
أنا الصدى الذي لا ينام
و الوردةٌ
التي قُطِفَتْ بعيداً
عنْ حَدِيقَتها
ستُنسى كزجاجةِ
نبيذٍ فارغة
و تُرمى في يمِ النسيانِ
أو على شاطئِ الحسرةِ
فالبحّارٌ
تَرَكَ سفيتنهُ الحزينة
لتَعبَثَ بِرَأسها الريح
و الأمواج لا تؤدي
إلا لِطَرِيق الملْح
* * *
إطارٌ متردد :
أيها الرسام
جَفْت الألوان
و تَثَاءبَت الفرشاة
و لم تنطق اللوحة
قبل أنْ تُطَالبها
بأنْ تَعزف منفردةً
رتب لها عناقاً
يكفي أنينها القادم
و أترك أناملها المفترسة
تصطاد
أرانب كبريائك
و لو بقبلةٍ
خارج النص
* * *
في منتصف اللهفة :
تلك التي لها
بَشَرة الصّباح
و حضور الفاكهة
جعلتك تتساقط حنيناً
على حافة الصمت
كشمعة تشتعل
حتى يَشِيب اللهب
* * *
بعد الغياب بعبارة :
كان بارداً
كقبضةِ بابٍ عنيدة
و كانتْ دافئةً بقدر
زائرٍ مُشتاقْ
لم يَتَبقَ
إلا صُراخٌ مُفَتَّت
و الضَفَائر الخجولة
تَنام مبكراً
* * *
مشهدٌ صامت :
أمام كل هذا
الصرير المُتَصَاعد
و أنَنَا لنْ نلتقي
إلا على شرفةِ الحُلْمِ
أو في ممرٍ ضيقٍ
من أمنيةٍ
ما زلتُ أشدُّ أزْرَ القصيدة
و أُدَلْكُ صَدرها
كلما تَوَقَفتْ عنْ التنفس
* * *
رصيفٌ يَنَتظرْ :
ربما نلتقي ..
ربما تَعُودين
بمواكب الأمطار الغزيرة
و الأنهار العذبة
و الضحكات
التي تُهدِئ أعصابي
و تُشبهُ
الحُقول الخضراء
* * *
مشهد مُكتمل :
ربما يمكننا لمرةٍ ثانية
أنْ نشدّ الصدفةَ
من شَعْرها
و نكسر جَرّةَ الحظِ
لِتَلْسَعَ شفاهنا
جمرة الحنين
___________
-الفناجين المكسورة
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
القراءة ..
..............
{ مشاهد قد تؤدي للعناق }
شظايا صوت :
أنا الصدى الذي لا ينام
و الوردةٌ
التي قُطِفَتْ بعيداً
عنْ حَدِيقَتها
ستُنسى كزجاجةِ
نبيذٍ فارغة
و تُرمى في يمِ النسيانِ
أو على شاطئِ الحسرةِ
فالبحّارٌ
تَرَكَ سفيتنهُ الحزينة
لتَعبَثَ بِرَأسها الريح
و الأمواج لا تؤدي
إلا لِطَرِيق الملْح
* * *
" شظايا "
الصوت موجات تتردد في حجرة الحنجرة عبر وتريات تسمى الأحبال الصوتية وتخرج وكي يلتقطها صوان الأذن فهما يحتاجا لوسيط يربط بينهما وهذا الوسيط هو الهواء - حقيقة علمية مؤكدة - ولهذا ينعدم الصوت في أي مكان لا يوجد به هواء كالماء مثلا ...،
من هنا كان لفظ شظايا معبرا تعبيرا قويا عن تلك الحالة الشعورية التي تنتاب الشاعر وتلك الحالة المتأرجحة ما بين أركان الحياة لا تملك ترف السكينة ..،
ليأتي لفظ التشظي مائزا كمعنى يترجم الصورة المشهدية كاملة من خلال هذا التشبيه الرائع لذات أديبنا الرائع بمجرد صوت وهو اختزال للنفس والجسد والكيان المعنوي والمادي في بعض من حروف تنطق - فالكلمة هي الأصل في كل شيء حتى الخلق بدأ بلفظ كن وكان بأمر الرحمن - هنا أصبحت الذات مجرد صوت قد يكون صرخة أوأنينا أو بعض رؤى وفي كل الأحوال هي مجرد همهمات متقطعة الوصول تتخبط بين الجدران فهي رهينة وهنا يظهر القطف الشعري والربط الرائع ما بين لفظ " شظايا " ولفظ " صدى " فالصوت عندما يطلق في الفراغ خاصة وإن كان الفراغ بين راحات جدران فإنه يمتطي هذا الهواء ويتخبط في موجات ما بين الجدران فيتردد الصوت كصدى مكررا للكلمة وهنا تتشظى الحروف ويصبح الصوت متكررا وكأنها كائن مستنسخ تقتطع منه أجزاء من نبضاته الصوتية وهذا يتوافق مع لفظ مشظى ...،
ومع تحوير كيان بشري لمجرد ظاهرة صوتية في تصوير رائع مع تجسيد للظاهرة الصوتية في نفس الوقت لتكون شيئا ماديا تم تهشيمه وتحويله لشظايا ،هنا تظهر براعة الشاعر في تحوير اللفظ ليلد صورا من صور تعمق المشهد بالكامل في رابطة تصويرية رائعة ...،
" لا ينام "
أصبح هذا التردد الصوتي والذي يعني تلك الرؤى التي تؤمن بها تلك الذات وترددها على رؤس الأشهاد وإن غفلت عنها تلك العقول اللاهية ..،
هو صوت وفكر لا يمل ولا يكل ومستمر لا يخفت ولهذا كان التعبير بلا ينام ليؤكد هذه الحقيقة وفي نفس الوقت إسباغ صفة بشرية لا تعود سوى على الكيان الإنساني على هذه الظاهرة الصوتية لتوضيح الرؤية بالكامل على أن هذا الإنسان أصبح صرخة وجع تبكي الحلم في حنجرة البشرية كلها ....،
" قطفت "
هنا التعبير المصور رائع - الورد الذي طرح في جناين بلادنا - هو زهرة في ربيع مبتور الضوع مبتور الخميل ...،
هنا كان الإسقاط على هذا الحلم والأمنية التي أصبحت يانعة مبهرة وقطفتها يد الغدر وتمت سرقتها بطريقة ممنهجة من فصيل ....،
تلك الكلمة التي تمخضت عن أمل في التغيير في لحظة كانت قاب قوس أو أدنى من التحقق وفي غفوة نشوة تلاشى من بين راحاتنا .....،
هذه الصورة تكملها وتشد إزرها صورة مرافقة لها وهي " زجاجة نبيذ " وكأن تلك الأيام القليلة من عمر الزمان كانت مجرد حلم عاقرنا آماله حد الثمالة فمستنا نشوة السكرة حد التوحد مع الحلم دون النظر لتلك الضباع التي تحيط بروضته تفرغه من مضمونه بخطوات ناعمة حتى أصبح مجرد كيان خاوٍ ذهبت حلاوته ...،
هنا كان تعبير " فارغة " دقيقا مع لفظ " تُرمى " ولفظ " يم " ثم لفظ عجيب الحضور وهو " شاطئ الحسرة " الذي يصنع تناصا عجيبا مدهشا عدتُ إليه كثيرا وهو تناص قد يكون معكوسا في بعض أركانه ودامغا في البعض ...،
هنا تناص مع قصة أم النبي موسى وإلقاء التابوت الذي يحمل الوليد في اليم ..،
هنا يترك الشاعر الأمر كله كمشهد مفتوح النهايات ...،
قد يكون هذا الرمي في اليم نهاية لهذا الحلم - زجاجة النبيذ - فيصبح في هوامش قاع طيات النسيان أو أنه سيذهب لشاطئ " الحسرة " وهنا أرى أن لفظ الحسرة لا يعني أنه نهاية ولكنه تعبير عن هذا الجزء الآخر من التناص مع القصة وهو انتشال التابوت الذي يحوي الوليد من زوحة فرعون ...،
هنا تكون لفظة " الحسرة " كناية عن هذا الرهط الذي يسكن بين راحاتهم هذا الحلم وهنا تصبح النهاية مفتوحة فقد يصبح هذا الحلم بذرة جديدة لغرسة تينع ولو بعد حين وقد تكون النهاية المحزنة لوفاة حلم ....،
في هذا التأويل للفقرة يأخذني لكل ما سبق ويؤكده في وجداني لفظ " بحار " وهو هنا ليس قائدا ولكنه جزء مقتطع من الكل وهم البحارة - الشعوب - وتلك الأحلام التي عاقروها وتمت نكستها ووأدها لأنها رؤى بدون رأس يقود فقط جسد دون قائد وهنا كان للفظ " السفينة " والتي تعني الحياة وواقع الأحداث وهي التي تحوي الشعوب - البحارة - وهنا يبزغ في كبد المشهد لفظ الريح " والريح كما هو متفق عليه تعبير عن العواصف المريدة التي لا تبقي ولاتذر وهي هنا القوة الغاشمة التي وأدت الأمل في مهده ....،
ولكن تبقى من خلال التناص السابق كل النهايات ممكنة ومن خلال هذا التأويل الذي هو وجهة نظري وبالطبع يظل التأويل الدقيق في رحم الحرف ....،
مقطع رائع أديب النيل وسندباده
إطارٌ متردد :
أيها الرسام
جَفْت الألوان
و تَثَاءبَت الفرشاة
و لم تنطق اللوحة
قبل أنْ تُطَالبها
بأنْ تَعزف منفردةً
رتب لها عناقاً
يكفي أنينها القادم
و أترك أناملها المفترسة
تصطاد
أرانب كبريائك
و لو بقبلةٍ
خارج النص
* * *
" إطار "
بصمة جديدة لولوج جديد في حواشي الذات ...،
هنا في هذا النص مشاهد متتالية تصنع دفتر حضور روح ما بين هموم وطن ووجع خافق ومردود ذكريات وبعث نبوءة مستقبل ...،
الإطار هنا يعني كمعنى حرفي هذا البرواز الخارجي الذي يحيط بصورة ما ...،
لكنها صورة خاصة لمفردات حياة .... هي مجرد حفر بفرشاة الذكريات على رقعة من قماش ..،
يتماشى مع هذا التأويل - أنها مجرد نظرة للماضي - لفظ ملفت هو " جفت " يعقبه لفظ مصور بدقة وهو لفظ " تثاءبت" من هنا نضع أناملنا على الحقيقة فالجفاف اللوني كمعنى هو الانتهاء من اللوحة لتوضع في مكانها داخل الإطار ومن ثم تعلق على الحائط ...،
هذا هو المعني الحرفي للفظ في خيالي كهاوٍ للرسم ...،
لكنه كمعنى مرمز في سياق نص أدبي هنا يعني انتهاء حدث ما ...
أي أنه عودة للذكريات - قريبة أو بعيدة - يؤكده استعمال الفعل في " جفت .. تثاءبت " في زمن الماضي ...،
نحن في حوارية مصورة لمشهد درامي يتم في التجسيد لهذا الإطار ليتخذ صفة النديم - وكثيرا ما تنادمنا ذكرياتنا - بصورة خلابة رائعة معاتبة ناصحة لتلك الروح التي وشمت حوادث أيامها فلكي يظل على جدارية الزمان فهو بحاجة لسياج يحميها ويحتضنها ولكي يكون هذا بدقة وحذق كان هذا النصح الأمين ..،
وبما أنه رمز - الإطار واللوحة - لدفتر حال حضور هذا الآدمي في هذه الحياة ، فلنفكك تلك الرموز بعناية فلفظ " الرسام " هنا يعني سيد الحدث وصانعه وهو هذا الإنسان المعني في هذا النص يؤكد له نداء الإشارة بلفظ " أيها " هنا المعني إنسان يمتلك صفات الإنسانية وليس خطاب إشارة لجماد أومعنوي ...،
" الألوان " تقرير يشي بوريقات العمر والأيام بكل ما بها من فصول متعاقبة وأحداث ما بين الشجن والسعادة وما بينهما وهي مساحة لونية شاسعة ما بين الأبيض والأسود يتوسطها تونات لونية حسب القرب من أحد اللونيين الأساسيين في مراتع النفس المعجونة في واقعها ...،
" الفرشاة " هنا تصوير مرمز رائع لتلك الهمة التي حفزت هذا الكيان الإنساني للمضي في وضع لبنات مملكته الحياتية في هذه الحلقات المتعاقبة من الحياة ..،
ليأتي لفظ " تثاءبت " كتعبير عن هذا التقطع في الأنفاس ونفاذ الوقود الذي يعينها على الأستمرار في الهرولة خلف أحلامها واكتفائها بما كان منها في محطات الحياة ...،
هنا بعد الانتهاء تنتظر تلك الروح النتيجة أو المحصلة التي تجني منها ثمرة ما كان منها في حلقات حياتها لتأتي الصدمة من خلال تلك الحوارية ما بين الذات والحاضن الذي سيكفل لها خلودا على جدارية الزمان ...،
" لم تنطق "
هنا لم بمعنى أن الحدث - النطق - لا وجود له - بمعني التعبير عن كيانك - وهنا تأتي كترميز على أنكَ لن تترك بصمتك التي تريد ....،
هنا كان التعجب والدهشة من عدم وضوح الرؤية الذاتية مقدمة وضعها هذا الناصح كمحفز ومثير لاهتمام تلك الذات قبل أن يضع أمامها الحقيقة الكاملة مرة واحدة في أسلوب من التقريع واللوم لتلك الذات التي تسير في فلك كيانها فقط بعيدا عن دروب المجتمع ككل - هنا نلمح ما يتيح لنا رؤية ماهية تلك الذات الناسجة لأحداث حياتها و التي لا ترضى سوى بنظرتها هي للأمور - هنا يأتي الطلب المراد في وقت حاسم في حوار به كل وضوح ظرف الصدق التي تعاقره تلك الذات في لحظة السكون بين مفترق الطرق ...،
لماذا لا تلقي بخطوات فرشاتك المنفردة تلك في كنانتها متخليا عن نرجسية الذات لتسمح لأطياف لونية آخرى أن تتماهى وألوان اللوحة - حياتكَ - تكفكف لوعاتها وتهدهد مسراتها هكذا كان حضور لفظ " عناق " في مخيلتي هو حضن احتواء من الكل للجزء من المجتمع للفرد يتخلى فيه الفرد عن نرجسيته - كبريائه - التي ستتلاشى ليس خنوعا ولكن محبة وعطاءً مستمر ا....،
هنا يحضرنا ثالوث من الصور في ...
" أنين .... مفترسة .... أرانب "
الأنين عائد على المكابدة للتي يعانيها المرء في مراحل الحياة هنا كان التجسيد الرائع للعمر القادم - المستقبل - الذي سيكون فيه الكثير من المكابدة -وهذا ديدن الحياة - بالجسد الذي يعاني السقم هنا كانت مرافقة لفظة "العناق " التي تعني الأحتواء مائزة التعبير والمعنى المراد في تلك اللحظات الفارقة في الحياة ...،
ثم يأتي لفظ افتراس الذي يمثل في عقلنا الجمعي خطرا محيطا مهلكا ولكنه هنا مع لفظ " أرانب " المرافق لتعبير كبريائكِ وهو يعني هذا الكبرياء المهيض الهش الناتج من دوافع الخوف الداخلي في تلك الذات فيصنع غلالة باهتة من الكبرياء الهش الزائف الذي يخبئ كيانا ضعيفا ولكنه حائط صدّ ومراوغة كحمل يرتدي جلد نمر وهو ليس أهلا له ....،
لهذا كان للفظ الافتراس هنا حضور مختلف مع هذا المعنى فهو كبتر عضو لينجو سائر الجسد من الموت ....،
هنا مبضع الجراح - المجتمع - يتدخل في لحظة حاسمة ليفترس هذا الكيان الزائف الذي يحول بين تلك الذات والانصهار في حضن مجتمعها ليغرد على الغصن أنشودة متكاملة الأركان ليصبح اللحن لحنا افتتاحيا لسمفونية تشارك فيها كل الآلات وجميع حروف النوتة في زفاف مخاض ريشة لجدارية الخلود ....،
هذا المقطع يبدو قليل السطور ولكنه يحوي فكرة عميقة بعيدة الغور ....،
في منتصف اللهفة :
تلك التي لها
بَشَرة الصّباح
و حضور الفاكهة
جعلتك تتساقط حنيناً
على حافة الصمت
كشمعة تشتعل
حتى يَشِيب اللهب
* * *
" يشيب "
لفظ محير امتلك قلمي وجعله يتحرك من أسفل إلى أعلى في مسيره مع خارطة كف الفقرة ...،
هنا يعاود واشم الحبر الإبحار ما بين العوالم المتوازية في رؤية تلك الفناجين المشظاة في رؤيتها للغد فيحدث نوعا من التماهي ما بين الحبيبة والوطن وتلك الآمال التي تجمع ما بين كيانهما في بوتقة واحدة ...،
هنا الحبيبة حلم بعيد عن التشخيص قد تكون افتراضية للأنثى التي تراود حال فكر هذا النبض كطيف مثالي لتلك الصبابة التي تنوفها رئات الفؤاد وتتوق لها ممتزجة مع حب أكبر وحلم تعاقره الذات معجون بين خوافقها لغدٍ يمنح هذا الحب الكبير - الوطن - كيان بنكهة مختلفة ...،
هنا كان لفظ " يشيب " الذي أعقب لفظ " تشتعل " مائزا فهذا الشيب بما يترك في النفس من حضور للون الأبيض يشي بمعانٍ متقاربة من حيث المعنى مختلفة في التنوع التصويري بين خافق العقل الجمعي ولكنها تصب في مصب واحد لفكرة واحدة وهي الخفوت بعد توهج ...،
فتلك الشمعة تصوير بديع لهذا الكيان وفي المثل الدارج - أشعلت أصابعي شمعا لك - بمعني أني فعلت كل ما يمكن وما لا يمكن من أجلك ...،
هنا هذا الكيان الفرد في مراتع المجتمع يحاول بكل ما أوتي من قوة ومحبة أن يمنح كل شيء في سبيل تحقق تلك الأحلام الخاصة والعامة - في علم النفس درسنا أن المصلحة العامة في كل وقت توجد من خلال مصلحة خاصة ذاك ديدن البشرية حقيقة علمية خاصة بعلم النفس مؤكدة - من هنا نلتقط طرف الخيط لتلك المشاهد التي تحاور ما بنفس السندباد من رؤى للغد من خلال نسيج الحاضر ..،
نعود للفظ شيب مع إسقاطه على لهب الشمع ...،
هنا الشعلة اليانعة تكون ملتهبة كبقعة حمراء يخالجها اللون الأصفر مع بعض من الأخضر وهذا هو تحليل ضوء اللهب في إبّان توهجه وعندما تتماهي الأطياف اللونية للهب لتصبح مائلة للون الأبيض هنا يكون اللهب في الحلقة الأخيرة قبل الخفوت والعدم هو لون أبيض ممتزج بدخان ترك المرحلة الرمادية الغامقة ليتمايل تأوها في رمادية باهتة على أعتاب اللون الأبيض في استعداد تام لخفوت تلك الجذوة ....،
ثم يأتي لفظ " تشتعل " وهنا نتوقف لماذا لم يأتِ بدلا عنه لفظ " يحترق " أو تنصهر كما يحدث للشمع في واقع الأمر ....،
هنا نحلل الألفاظ بدقة في كل صورة منها ففي الاحتراق موت وانهيار صريح فالحريق لا يبقي ولا يذر من الكيان المادي شيئا سوى كيانا مشوها إن لم يفنَ ...،
والانصهار معناه الفناء التام وتغير ماهية هذه الذات حد الذوبان وهنا قد تصنع فكرة مختلفة تشي بمعنى لا يريد أديبنا ترسيخه وهو هذا النوع الذي يحدث للمغلوب في معية المنتصر في بعض الأحيان من الذوبان في معية الظرف الحياتي أو الانحناء والرضى بما كان وسيكون ...،
لهذا كان لفظ " تشتعل " أدق ويتماشى مع الفكرة والمعنى المراد فالاشتعال هنا يعني التوهج الدائم فهو ديمومة معاقرة الحلم وإن مس الذات الشيب الذي يعني شيخوخة - بمعنى عدم القدرة على الدفاع عنها - ولكنه يظل على رؤاه لا يحيد عنها كرمز وإن شاخ يظل أيقونة لحلم ففي الشيب معنى آخر لهذا الوقار الذي يسبغه هذا الشيب بلونه الأبيض المائل للفضي على هامات هؤلاء فتكون رؤاهم حكمة تمنح كيانات الحاضر نظرة تتيح لهم باب وإن كان موارب لغد قد يصنع فيه حلما جديد ترافقه نضارة فجر الصباح وال " فاكهة " هذه الجنة التي تصبو لها الشعوب الحالمة بحياة أرغد ...،
هنا في هذه الفقرة كان التعبير متماهيا مع تعبير عاشق كبير مزج ما بين الحبيبة والوطن قد يكون لتعميق الفكرة وقد يكون للتعمية وتلك أقدار الرؤى العظيمة التي تحتاج لأن توضع في سياج حماية يمنح صانعها طوق نجاة ليستطيع وإن أخفق في تسيير الأحلام أن يعود كفينيق يشق بجناحيه مُزن الأحلام من جديد ..،
بعد الغياب بعبارة :
كان بارداً
كقبضةِ بابٍ عنيدة
و كانتْ دافئةً بقدر
زائرٍ مُشتاقْ
لم يَتَبقَ
إلا صُراخٌ مُفَتَّت
و الضَفَائر الخجولة
تَنام مبكراً
* * *
" الغياب "
هناك غياب ممنهج يعني التواري وهناك غياب بمعنى خفوت اللحظة - الحلم - وذاك أصعب أنواع الغياب لأنه احتضار أمنية وتقوقع الذات وانكفائها على ذاتها وجراحها ويؤكد هذا التأويل لفظ " باردا " يعقبه لفظ " قبضة " وبينهما حرف " الكاف " لتعليل وتوكيد التشبيه المصور بأداته ...،
فهذا الغياب بنكهة الفقد الذي يسقط في تصوير رائع على هذه الأماني التي مارت من بين أناملنا كما ينساب الدم - نزف - من بين الأوردة فتكون تلك الحالة من البرودة التي تصيب الجسد وبما أن الجسد حاوي فكان التشبيه الرائع لهذا الحاوي لذاكَ الكيان بالغرفة المغلقة على ما بها في وجه كل شيء - الأماني - يهدهد أملا ينفق قبل أن نمهر له شهادة ميلاد ....،
هنا كان التشبيه بقبضة الباب دقيقا لنلج منه لكينونة هذا الزائر - رؤية جديدة أو أمنية تحاول نبش وتحفيز هذه الذات - الذي لا يطرق الباب ولكنه يحاول الولوج عنوة ....، قد يكون لهفة أو خوفا من مجهول فيحاول الاختباء في حضن هذا الحاوي - ذات الشاعر - ليحتمي أو ليأخذ غفوة من سكينة ليعاود من خلاله المسير في ظرف لحظي افضل أو ممهد أكثر لتحقيق الهدف والغاية ...،
هنا هذا الزائر المجهول في تعمية مقصودة يحتمل كل صنوف التأويل كونه بعض أماني جديدة كمدد لنهر الأحلام النازفة من وريد الأماني وقد يكون حبيبة وهنا الحبيبة قد تكون كيانا أنثويا بالمعنى الحرفي أي أنه حب والمحبة مدد من نهر عذب يتيح لهذا اليائس الحصول على فسحة من دعة الحياة ليعاود المسير فالحب يمنح الثقة لمن فقدها فهو معين آخر لحضور جديد في المشهد ....،
وقد تكون الحبيبة وطنا وهنا يمتزج الوطن والحلم الذي يراود ساكنيه ويتماشي مع تعبير " دافئة " فالوطن حضن دافئ يفتح ذراعيه لأبنائه كأم رؤوم دائما ...،
" مفتت .... ضفائر "
لنرى هذا الصراخ وقد تم تجسيده في هذا التصوير الرائع كتعبير عن تلك الأصوات - الرؤى - التي تتناحر فكل يدلو بدلوه كما يترائى له الأمر فكان الترميز بالتفتيت في تجسيد تلك الرؤى التي تظهر في ظاهرة صوتية كسياق وكمعنى هي تلك اللبنات التي تكون المجتمع - البناء - المتناثرة في كل صوب فكان لفظ " مفتت" دقيقا ومائز افي هذا القطف الشعري ....،
ثم يأتي لفظ " ضفائر " الذي يعبر عن البراءة والتي تتمازج مع شقاوة طفولة حواء في نفس الوقت ...،
هنا تأتي الضربة الشعرية القوية في تنحية الشقاوة - المشاغبة - عن المشهد بضربة واحدة في تعبير " تنام مبكرا " لتعبر عن هذا المجتمع - الوطن - نقي الطموح صاحب الأحلام والأماني البريئة المشروعة الذي تم غبنه في لحظة التتويج وتم تقليم أظافر مشاغبته ....،
هنا كانت الضفائر بكل ما بها ليست صفة لحواء الطفلة أو حواء الحالمة البريئة ولكنها تصوير لوطن ككل أصبح مستأنسا يحلم بين خوافق شرانق الذات في غفوة قسرية وفقط دون أن يحكي حواشي الحلم حتى الأفصاح أصبح ترف لا تحمد عواقب مخاضه إن قدر عليه ذات مساء في حكاوي ما قبل النوم ...،
مشهدٌ صامت :
أمام كل هذا
الغلق المُتَصَاعد
و أنَنَا لنْ نلتقي
إلا على شرفةِ الحُلْمِ
أو في ممرٍ ضيقٍ
من أمنيةٍ
ما زلتُ أشدُّ أزْرَ القصيدة
و أُدَلْكُ صَدرها
كلما تَوَقَفتْ عنْ التنفس
* *
رصيفٌ يَنَتظرْ :
ربما نلتقي ..
ربما تَعُودين
بمواكب الأمطار الغزيرة
و الأنهار العذبة
و الضحكات
التي تُهدِئ أعصابي
و تُشبهُ
الحُقول الخضراء
* * *
" لن نلتقي "
أراه ختاما للآمال العريضة يسبق ختام المشاهد وكأن هذا المشهد نبوءة مختلفة تحمل النتيجة قبل انتهاء تدفق المقدمات ....،
أو يضعها كحافز لهؤلاء الذين يطمحون في حضور ميلاد الفجر ليروا بأم عيونهم النتيجة التي يساقون إليها فتستنفر بين عروقهم ثورة الهمم لتغيير هذا الغد الذي وضعته صحف الغيب في لحظة مصارحة بين راحاتهم ...،
يؤكد هذا في نظري لفظ " أُدَلْكُ " هذا التحفيز الذي يقوم به الأطباء لمحاولة إنعاش القلب الذي يلفظ خفقاته حتى يعاود الدفق من جديد ...،
هنا محاولة للإنعاش المبكر قبل دخول غرفة العناية - التي تعني القبر - التي ستمثل الحلقة الأخيرة في هذا الظرف الزماني الذي ستعلن به الوفاة ...،
في إبّان تلك المصارحة بالمجهول الغائب في رحم الغيب وهي لحظة قد لا تتكرر يعاود السندباد ندب سفير الأمل على عتبات اليأس فيشم السطور المتأرجحة تحت ضربات الحياة لفظ " ربما " ليترك مساحة أو شرخة من باب موارب ما بين تلك الرؤى المتوازية بين درب الأمل ودروب الردى علها تكون متنفسا جديدا أو أمنية لقاء ...،
ليأتي لفظ " نلتقي .... تعودي " ها هنا
ليصبح اللقاء هنا بمعنى نقطة في منتصف الطريق أو مواعدة في نقطة ما من الدرب ثم تأتي لفظة " تعودي " غريبا ولكنه دقيق في نفس الوقت فهنا يبدو لذهن المتلقي بوضوح عدم ثقة أديبنا في القدرة على التخطي ليصل لموعد اللقاء ونفاذ الوقود من تلك المراكب التي تحمل تلك النفوس التواقة لملاقاة الفجر الجديد - تحقق الحلم - فيكون الأمل في عودة تلك الأماني والرؤى بقوة أكبر لمساكنها في الأفئدة التي كفرت بها العقول وأخرجتها عنوة خوفا من الهلاك ...،
ولفظ " الرصيف " هنا يعني الأمان والمناطق الأمنه وهنا هو يعني هذا الوطن الذي ينتظر صحوة أبناءه ....،
مشهد مُكتمل :
ربما يمكننا لمرةٍ ثانية
أنْ نشدّ الصدفةَ
من شَعْرها
و نكسر جَرّةَ الحظِ
لِتَلْسَعَ شفاهنا
جمرة الحنين
" من شعرها "
هنا الشد والذي يعني المكابدة والمغالبة لنول الأماني ...،
وتعبير الصدفة ليس بالمعنى المتعارف عليه ولكن المقصود هو اللحظة المناسبة مع تحضيرها لا انتظارها كصدفة قد تحدث وقد تتمنع في تصوير تجسيدي رائع ...،
هذا ما يبدو واضحا في حضور لفظ " نشد ... ونكسر " هنا هذا العنف الذي يصل للمتلقي من تعبير شد الشعر والذي يعني القنص وترويض الغد ليكون مرتعا خصبا لمَا نريده ....، مع قوة وقدرة على تغيير هذا الواقع الذي هو جسر للمستقبل المرمز له بالحظ فلفظ " الجرة " هنا عائدة على هذه الظروف التي مرقت في واقع الأمور فكانت ايقونة حظ سوء مضاد لتلك الأحلام وتميمة خير لمجهضيها ...،
" جمرة "
تعبير مزدوج ما بين المعاناة التي لن يكون الفجر الجديد بدونها ولفظ " الحنين " وهو دقيق فالحنين هو توق للتغيير والتغيير يصاحبه تضحيات ومعاناة فالطريق غير معبد بالزهور ولكنه ملغم بهراس من الأشواك ...،
___________
" الفناجين المكسورة "
شدني هذا العنوان لتلك المجموعة الشعرية ...،
هي فناجين المساء المداهنة التي تشي بما تريد وتحجب الرؤية في تعمية عن ما لا تريد الأفصاح عنه ....،
تلك المجموعة التي تحمل أنينا ووجع روح متأرجحة بين خيوط الحلم وعتبات الرجاء فكان لفظ " مكسورة " كناية عن تلك الرؤى المبتورة التي تتيح رؤية مهشمة كما النظر في مرآة الغد المشظاة في تعبير وتصوير أكثر من مدهش لعنوان محلق لمجموعة شعرية ستكون علامة فارقة ما بين هذا المزج حد التماهي ما بين أحلام هذا الكيان الخاصة وأماني هذا المجتمع الذي يسكن راحات وطن في ألياذة صب عشق الأنثى في معية وطن كبير فالحبيبة هي العرض والنفس والوطن يحمل ذات الصفات لهذا امتزجا ليكون المشهد ككل الوطن الحبيبة والحبيبة الوطن في معية أنثى القصيد ...،
نص رائع محلق صعب المراس تقلبت بين مراتع حضوره في معارج من التأويل وسيبقى التأويل الدقيق بين خوافق الحروف وناسجها ...،
مودتي وضوع نيل دياري ...،
هشام صيام ...،
تعليقات
إرسال تعليق