الناقد عباس باني المالكي
قراءة نقدية لنص ( غربة وطن ) للشاعرة ليلى عبد الأمير
أزمة الذات في تحقيق الرؤيا الانفعالية
غُربةُ وطن
من مجموعتي الشعرية الاولى "ثمة عزف في السماء"…
النص :
نصفُ التمامِ يُقلقني
عند نقطةِ الإرتكاز
تسمو كفةُ العدلِ
" كن أو لا "
مناجاةٌ قالها هاملت
قبل الرحيل الى مثواهُ الأخير
يقفُ العالمُ مُترنحاً في شوارعنا
كن حراً
فالعبيدُ لا يصنعونَ وطناً
ونهايةُ الطغاة سعيدةٌ جداً
على عجلٍ
صرتُ مأوىً للعَوَز
ففي السماء قلبي
سأُرتل فيه ولهاً
أرضعتني أُمي لغة الصمتِ
أودعتني غربتها
وتأريخ ثمل بحبِ الآلهة والأنين
أمي سعيدةٌ بالبكاءِ
تجيد النعيَّ على الأطلالِ المنسيةِ
صوتٌ يزعزعُ اُفق السماء
أُمي
تبحث عن استقرار مفقود أصلاً
لا تسألني
عن بالوناتٍ منتفخةٍ في الفضاء
ففي دهاليزِ الكذب
يسكنُ المجون
يراقصونَ المعصية والرذيلة
وتراتيل البلابل والتهجد
عند منتصفِ الظلام
بمستوى الشرف الرفيع
هم الأقربُ للتقوى والتأويلِ
في الصباحِ يلعب المتسولونَ
لعبةُ الكرِ والفرِ
في دهاليزِ العفةِ
يمارسونَ البراءة
يمازحون الدجل
كائناتٌ هبطت مع هطول البردِ
تُعلُنُ خرابَ الأوطانِ
وغرور الأرواح المضيئةِ
في الشوارع
عيونٌ تهتفُ باسم الرفض
توقظُ أحلام المُرسلين
بصوت يرعبُ سكان الأرضِ
وهي تصيحُ انهضوا
فالمسيحُ يُصلبُ
من جديد
حين يصبح الواقع خارج تحقيق أحلامنا وأمانينا يصبح كزمن التيه في ذاكرتنا التي تزدحم بواقع مغاير لكل ما ننشده في الحياة والوطن أن يتحقق ، فلو تدرجنا ما بين المعنى التأويلي لهذا النص ، ندرك الأزمة التي استقرت داخل ذات الشاعرة وهذا ما جعلها غير المستقرة في الحياة فندرك ذاتها وسر قلقها المستمر تجاه ظروف لا تتلاءم مع هذه الذات وطموحاتها الحياتية في وطنها لهذا يحدث انقطاعها عن الواقع الذي حولها فتعيش هذه الذات بكل حالات القلقما جعلها ترمز لام كقيمة معنوية الثابتة في داخلها أي القيم التي لا تتغير بتغير الظروف حولها ، والنص هو تدرج الذات المثقلة التي تحمل الوعي كلعنة الألم ونزيفها المستمر ، حيث يصبح الوعي ذي اتجاهين : اتجاه الظروف المحيطة بها وفي نفس الوقت اتجاه الذات الواعية بقدر ما تراه يحدث لوطنها أي أن الألم يكون باتجاهين في ذاتها القلقة دائما تجاه ما تراه وتشعر به في الأبعاد الخارجية للظروف حولها وانعكاس كل هذا على ذاتها والتي تشكل من قلقها أزمة لا تستطيع أن تغير فيها شيئا ، وما نقطة الارتكاز عندها إلا الحلم الذي تراه في ذاتها ولكنها لا تستطيع أن تصل إليه بسبب الظروف التي حولها لهذا تبقى عالقة في ذاتها وأزمتها في المكان والزمن الذي يمضي ، كي تشير أن لا تغير يحدث في الأماني والآمال التي تعيشها في جميع أيامها التي تمر ،وتشابه هذه الأيام كتشابه الأطلال المنسية وهي تراها ولكن لا يستطيع أن تمسكها أو تصل إليها ، وبهذا تشير الى ثبات معاناتها لهذا استخدمت صرحة هاملت حين شاهد الانحراف التام لكل ما يجري حوله من خطيئة لهذا حدد مصيره بتغير ما يجري حوله (كن أو لا تكن ) واستطاعت الشاعرة ليلى عبد الأمير بنصها ( غربة وطن ) أن تحقق وتجسد المستوى الذاتي في إعطاء الصورة الرمزية ضمن الخيال المعنوي للحداث ، فاستندت الى ذاتها لأنها تربت على رفض كل ما هو شاذ عن الطبيعية الموضوعية للظروف حولها وما يجري في الوطن ، حيث استطاعت أن تعطي للصورة الكثافة الرمزية وجعلت العلاقة بينها وبين ما يدور حولها علاقة متشابكة في حسية الشعور الذاتي ، أي جعلت ن الصورة الرمزية أن تلبي ما تريد أن تطرحه في نصها هذا كدلالة رمزية بعيدة عن التسطيح الفوقي بل أصبح يشكل أزمتها الداخلية وهذا ما مكنها تحقيق الإيحاء من خلال صوت الكلمات وظلالها الصوري في حسية شعورها وفق التداعي الداخلي لفكرها الشعوري الرؤيوي ...
نصفُ التمامِ يُقلقني
عند نقطةِ الإرتكاز
تسمو كفةُ العدلِ
" كن أو لا "
مناجاةٌ قالها هاملت
قبل الرحيل الى مثواهُ الأخير
يقفُ العالمُ مُترنحاً في شوارعنا
كن حراً
فالعبيدُ لا يصنعونَ وطناً
ونهايةُ الطغاة سعيدةٌ جداً
على عجلٍ
صرتُ مأوىً للعَوَز
ندرك ان الشاعرة من خلال نصوصها ترتكز على الذات ما يجعل هذه الذات هي رحلة الرؤيا الوجدانية بما يحيطها ببصيرة عالية التصور وما يحقق لها صورة الفكر من الصور الانطباعية لذاتها وتجليها الموضوعي حول قيمة الأشياء وعدم تطابقها مع ما داخلها من رؤى تقارب حسيتها الشعورية ، ما يجعل نصوصها تحدث المقاربة الكلية بين مفردات لغتها واحساسها الوجداني لكل قيم الأشياء وتجاورها مع تلك الأحاسيس ، وهي اعتمدت في نصها على ذاتها وما تمثل هذه الذات من ارتكاز تكويني في تحقق البعد التكاملي مع مفهوم الحرية خارج العبودة والتردي الفكري الى الأنسان وضياعه في وطن أصبح خارج الأفق الإنساني بسبب عدم تحقيق العدالة في تفاصيل الحياة الاجتماعية ، أي أنها تشعر أن ما يعيشه المجتمع نصف الحياة في كل تفاصيله لهذا استعارة الرمز الدلالي لما قاله هاملت في مسرحية شكسبير لكي تحقق البعد الدلالي ومساحة الأكبر من أجل التحرك لتحقيق العدل ، لأن العبيد لا يصنعون الحرية والعدالة ، لذا يصبح كل شيء مترنحا أي غير ثابت وغير مستقر وهذه أشاره رمزية لأبعاد تكوينه المتناظرة مع الحياة الحقيقة ، و بهذا الرمزية تحقق التراسل المحسوس المشخص للواقع حولها والاستعارة الإيحائية المكون لنصية البؤرة والتمركز للحالة التي تعيشها وتراها أن العبيد لا يصنعون الحرية في زمن الطغاة ، فهي تدعو للتغير لأن كل شيء أصبح يمثل العوز في الحياة ...
ففي السماء قلبي
سأُرتل فيه ولهاً
أرضعتني أُمي لغة الصمتِ
أودعتني غربتها
وتأريخ ثمل بحبِ الآلهة والأنين
أمي سعيدةٌ بالبكاءِ
تجيد النعيَّ على الأطلالِ المنسيةِ
صوتٌ يزعزعُ اُفق السماء
أُمي
تبحث عن استقرار مفقود أصلاً
لا تسألني
عن بالوناتٍ منتفخةٍ في الفضاء
ففي دهاليزِ الكذب
يسكنُ المجون
يراقصونَ المعصية والرذيلة
وتراتيل البلابل والتهجد
عند منتصفِ الظلام
وتعود الشاعرة في هذا المقطع من نصها لتؤكد أن تاريخ حياتها قد بنته أمها وعلمتها الصدق وعدم الكذب على الحقيقة الزائفة ، وتحقق ما تشعر به داخليا ضمن المحسوس الداخلي من أعماقها التي ثبت قيمها بانتمائها التاريخي والذي يمثل لها السلسلة من الثبات الداخلي غير المتغير حسب الظروف التي تعيشها الأن ، وهي في هذا المقطع من القصيدة تحقق الصورة الرمزية وحسب الرؤيا الداخلية عندها والذي حركتها ما تراه من مظاهر خارجية مختلفة مع داخلها التي زرعتها أمها فيها ، مع هذا هي صامته وهذا ما يؤدي بها الى الغربة وطبعا جاء كل هذا من شعورها بهذه الغربة للقيم التي علمتها أمها ، فأمها كان تعيش في فكرها وانتمائها الى الآلهة ، وما يجعل صمتها بكاء ونعي لكل ما تراه ،ولكي لا يسقط المعنى الداخلي للنص تحاول ان تغير طريقة كتابة شعريتها ورؤاها وتغير الزمن في تحريك الرمز الثابت داخلها من قيم وأفكار منبعها الصدق والبعيد عن الكذب والريا ، لأن الكذب لا يؤدي إلا أن يسكن المجون والرذيلة ، ولكي وتجدد الرمز بالنقاء من خلال الإيحاء بالرمز الى بلابل ، والتي تكره الظلام و لا التهجد في الظلام والرقص بالمعصية والرذيلة ...
بمستوى الشرف الرفيع
هم الأقربُ للتقوى والتأويلِ
في الصباحِ يلعب المتسولونَ
لعبةُ الكرِ والفرِ
في دهاليزِ العفةِ
يمارسونَ البراءة
يمازحون الدجل
كائناتٌ هبطت مع هطول البردِ
تُعلُنُ خرابَ الأوطانِ
وغرور الأرواح المضيئةِ
في الشوارع
عيونٌ تهتفُ باسم الرفض
توقظُ أحلام المُرسلين
بصوت يرعبُ سكان الأرضِ
وهي تصيحُ انهضوا
فالمسيحُ يُصلبُ
من جديد
الشاعرة تستخدم الإيحاء الذي يعمق هواجسها الفكرية بالانتماء لكي تخلق صورة الترادف الشعري لخلق الصورة في ذهنية المتلقي ،فهي توجد المعنى بمراقبة ما يحدث حولها وتدعو الى التغير والثورة ضد هذا لاستيلاب والكذب والمراوغة والادعاء عكس ما هم يعيشون من الشرف الرفيع و التقوي ويدعون العفة في دهاليز كاذبة لا صلة لها بما يدعون حيث يمارسون البراءة ، والشاعرة تشعر أنها تعيش رؤية ثنائية ما بين الأنا و ذات الأخرين والذين يدعون عكس ما هم يفعلون التي لا هوية لديهم ، فهي استطاعت أن تتحسس عمق التناقض ما بين سلوكهم وادعائهم المزيف لأنهم كائنات هبطت للوطن كما يهبط البرد بكل شيء ، لكنها استطاعت أن تكشف وتعرف زيفهم ، لأنهم لا هم لهم غير خراب الأوطان ، مع كل هذا ليس هناك من يحاول أن يصدهم بفعلهم ، كأن لا يهمهم كالأرواح المغرورة مع أن هؤلاء يسعون الى أطفاء المضيئة بحب الوكن والانتماء إليه ، لهذا تدعو الى التغيير لكي يتحقق أحلام المرسلين بالعدل والانتماء الحقيقي للذاتهم ،فالوطن سوف ينتهي ويموت كما يصلب المسح ، عندما لا نسعى الى تغير هؤلاء ،و قد أتت ببنية دلالية بروح انسيابية وإيقاعية حيث استطاعت أن توزع الدلالة النفسية والفكرية بالانتماء ، لأنها تراقب لكن من دون أن تشارك أي وتدعوا لكي ينهض الوطن من غفوته وهذا ما شكل لها المعنى بين الأنا وظل الواقع ...
والشاعرة استطاعت أن تحقق نص أدرامي تصاعدي من خلال كشف الواقع حولها وما بين هذا الواقع وذاتها المترسخة بقيمها وأفكارها الحقيقية غير الزيف والكذب الذي يمارسونه هؤلاء في الوطن ،و بقيت تعيش هذا النبض لأنه يمثل لها ما تريد أو ما تتمنى أن يوجد في وطنها من الحياة ،و استطاعت أن تقنعنا بما أرادت أن توصله أو تقوله إلى المتلقي من خلال الحوار الداخلي مع الذات وانعكاس هذا الحوار مع المظاهر الخارجية التي تشعر أنها ملامسة لروحها من الداخل لأنها تربت على الحقيقة بالانتماء وكرهها للزيف والكذب الذي تراه حولها في الوطن ، فالشاعرة بقدر ما كونت النص وفق معيار الفكر ، بنفس الوقت حققت المدركات الذهنية من خلال ألظاهر لجوهرها الذاتي لأمل قد تصل إليه في وطنها من خلال المحاولة والثورة للتغير الواقع حولها.
تعليقات
إرسال تعليق